إعادة إحياء خط الحجاز بين تركيا والخليج… حلم قد يصبح واقعا بعد سقوط الأسد

30/12/2024

يتجدد الحديث في تركيا عن مشروع إعادة إحياء خط الحجاز التاريخي، الذي كان يربطها بالخليج العربي مروراً بدمشق، كجزء من استراتيجيتها لتعزيز دورها في إعادة إعمار سوريا بعد سنوات من الصراع.

ويبرز هذا المشروع كأحد أبرز المبادرات التي تسعى أنقرة إلى تحقيقها، لما له من أهمية اقتصادية وجيوسياسية، خاصة في مواجهة مشروعات إيرانية وإسرائيلية تسعى لخلق ممرات إقليمية ودولية عبر الأراضي السورية.

جهود إعادة الإعمار التركية تتسارع تحت توجيهات مباشرة من الرئيس "رجب طيب أردوغان"، الذي دعا خلال اجتماعات الحكومة الأخيرة إلى وضع خطة شاملة لإعادة بناء سوريا، تركز على إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية وتشغيل المؤسسات العامة. 

وقد تجاوبت وزارة النقل التركية سريعاً مع هذه التوجيهات، حيث أعلن الوزير عبد القادر أورال أوغلو مؤخراً عن خطط لإعادة تأهيل الطريقين السريعين M4 وM5، وإصلاح الجسور المدمرة بالتعاون مع منظمات تركية مثل "تيكا" و"آفاد". كما تشمل الخطط استئناف خدمات النقل الجوي، تحسين شبكات الاتصالات، وترميم المطارات، إلى جانب توقيع اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية.

أما المشروع الأبرز فهو إعادة تأهيل أجزاء من خط السكة الحديدية الحجازي التاريخي في سوريا وربطها بالخطوط التركية.

مشروع صعب ومكلف لكن تركيا ليست مترددة:

يرى المحلل التركي "سمير صالحة" أن هذه الخطوة تحمل منافع كبيرة للبلدين، إذ تقلل من الزمن والتكاليف في نقل البضائع والأفراد، وقد تمتد لاحقاً لتربط تركيا والسعودية، مما يعيد إلى الأذهان دور الخط السككي الذي أنشأته الدولة العثمانية في القرن الماضي ليربط إسطنبول بالمدينة المنورة عبر دمشق. ويتوقع أن يتحول هذا المشروع إلى بوابة استراتيجية تربط أوروبا عبر تركيا وسوريا بالخليج العربي.

ومع ذلك، يقرّ "صالحة"، في حديثه لصحيفة "العربي الجديد" بأن تحقيق هذا الحلم يتطلب تمويلاً ضخماً واستقراراً أمنياً وسياسياً في المنطقة. لكنه يشير إلى أن تركيا بدأت فعلياً خطوات عملية، حيث تخطط للربط المرحلي بين غازي عنتاب وحلب، مع خطط مستقبلية تمتد إلى دمشق. وكشف صالحة عن دراسة أولية لإعادة تشغيل خطوط السكك الحديدية بين مرسين وحلب كمرحلة أولى، مع تطلعات لربط هذه الشبكة تدريجياً بمناطق أخرى في سوريا.

وفي سياق الجهود الرامية إلى إعادة إحياء خطوط النقل الحديدي بين تركيا وسوريا، أكد مدير النقل السابق في محافظة إدلب "محروس الخطيب"، المقيم حالياً في تركيا، أن مشروع إعادة تفعيل خط قطار مرسين ـ حلب بات قيد البحث. 

وأوضح "الخطيب" لصحيفة "العربي الجديد" أن وزارة النقل والبنية التحتية التركية بدأت بالفعل بمراجعة الجزء التركي من الخط البالغ طوله 175 كيلومتراً، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستشمل تقييم الجزء السوري من الخط فور موافقة الحكومة السورية الانتقالية. وأضاف أن الخطة تتضمن إصلاح القسم المتضرر في سوريا بأسرع وقت ممكن لاستئناف حركة القطارات لنقل البضائع والمسافرين.

ويعيد هذا المشروع إلى الأذهان افتتاح الخط الحديدي بين حلب وغازي عنتاب في 22 ديسمبر/كانون الأول 2009، بحضور وزيري النقل السوري والتركي آنذاك، "يعرب بدر" و "بن علي يلدريم". 

ووفقاً للمدير العام السابق للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية "جورج مقعبري"، فإن الخط الذي بلغت تكلفته الإجمالية 380 مليون ليرة سورية (كان الدولار وقتها يساوي 50 ليرة) امتد بطول 209 كيلومترات، واستُخدم لتسيير رحلتين أسبوعياً، بطاقة استيعابية تبلغ 277 راكباً لكل رحلة، فيما كانت الرحلة الواحدة تستغرق ثلاث ساعات.

لماذا السكك الحديدية وما أهميتها؟

يشير "مقعبري" إلى أن أهمية النقل بالسكك الحديدية تزداد مع تفاقم التحديات المرتبطة بالتحكم في الممرات المائية والمضائق. ولفت إلى أن الخط الحديدي الذي افتتح عام 2009 نجح في نقل نحو 50 ألف راكب وأربعة ملايين طن من البضائع سنوياً، مع إمكانية رفع هذه الأرقام إلى عشرة ملايين طن وزيادة عدد الركاب في حال تطوير الشبكة.

وأضاف أن الطموح الأكبر يكمن في إعادة تأهيل خط الحجاز التاريخي الذي يصل إلى السعودية، مما يعيد للمنطقة دورها المحوري كحلقة وصل للنقل بين الشمال والجنوب.

من جهته، يرى "عبد القادر صبرا"، القنصل السوري الفخري في تركيا خلال عام 2009 وأحد الحاضرين لافتتاح الخط الحديدي بين غازي عنتاب وحلب، أن إعادة إحياء هذا الخط، ولو بشكل جزئي في البداية، يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية كبيرة. 

وأوضح "صبرا"، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذا المشروع سيخفض تكاليف النقل، مما سينعكس إيجاباً على أسعار المواد الأولية وتكاليف الإنتاج، وبالتالي على أسعار السلع التي تصل للمستهلكين.

كما أشار إلى أن استئناف الخط سيزيد من حجم التبادل التجاري بين سوريا وتركيا، الذي بلغ نحو 3 مليارات دولار قبل الثورة، مع إمكانية مضاعفته اليوم في ظل التوافق التركي مع الحكومة السورية الجديدة، وتطلعات تركيا للعب دور رئيسي في إعادة إعمار سوريا ودعم استقرارها.

وأكد "صبرا" أهمية مدينة حلب، التي تُعد عاصمة الاقتصاد السوري ومركزاً للعديد من المنشآت الصناعية. وأوضح أن ربط الخط الحديدي بالمدينة الصناعية في حلب سيؤدي إلى خفض التكاليف اللوجستية، تعزيز الاستثمارات المشتركة، وتسريع حركة نقل المواد الأولية والمنتجات الصناعية.

إعادة إحياء خط الحجاز… حلم جميل لكن من سيدفع؟

أما عن تكاليف إعادة تأهيل المشروع ومن سيتحملها، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها سوريا نتيجة الحرب والفساد المالي للنظام السابق، فقد أشار "صبرا" إلى تصريح سابق لوزير النقل التركي بن علي يلدريم في عام 2009، حيث ذكر أن قيمة البضائع المنقولة عبر الخط آنذاك قدّرت بنحو 500 مليون دولار سنوياً. وأوضح أن هذه المنافع الاقتصادية تجعل تكاليف إعادة تأهيل الخط أقل من أن تكون عائقاً، خاصة مع إمكانية أن تتحمل تركيا التمويل وفق نظام "بي أو تي" (Build, Operate, Transfer)، بحيث تقوم تركيا ببناء وتشغيل المشروع لفترة محددة قبل تسليمه إلى الدولة السورية.

كما لم يستبعد "صبرا" إمكانية أن يتم تمويل المشروع من قِبل دول خليجية، لا سيما إذا كان جزءاً من مشروع أكبر لإحياء الخط الحديدي الطويل الذي يربط إسطنبول بمكة المكرمة، مما يمنح المشروع أبعاداً اقتصادية واستراتيجية إقليمية مهمة.

وهكذا فإن مسألة التمويل الخارجي أو اعتماد نظام "بي أو تي" لإعادة إحياء خط الحجاز الحديدي تبدو خياراً واقعياً، وفقاً لما أكده "جورج مقعبري"، المدير السابق لمؤسسة السكك الحديدية السورية.

من جانبه، أشار مدير النقل السابق "محروس الخطيب" إلى أن مشروع إحياء الخط الحجازي طُرح مراراً خلال العقود الماضية، لكنه واجه معارضة غير معلنة من الرئيس الأسبق لسوريا "حافظ الأسد"، وأحياناً من المملكة العربية السعودية. 

ورغم ذلك، يرى "الخطيب" أن المشروع واعد إذا تحقق توافق إقليمي بين السعودية، الأردن، سوريا، وتركيا، خاصة لما له من مردود اقتصادي وأرباح محتملة لجميع الأطراف. وإذا توسع المشروع ليربط أوروبا عبر تركيا وسوريا بدول الخليج، فقد يصبح تمويله المشترك أو الاعتماد على قروض دولية خياراً قابلاً للتنفيذ.

منافسة صارخة لمشاريع أخرى:

من ناحية أخرى، يرى المحلل التركي "سمير صالحة" أن مشروع الخط الحجازي يمكن أن ينافس أو يلغي مشاريع أخرى في المنطقة، مثل مشروع الخط الإيراني العراقي المعروف بـ"الشلامجة الإيرانية ـ البصرة العراقية"، الذي كان من المخطط أن يصل إلى سوريا عبر ميناء الخميني وكربلاء ليصل إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط. كذلك، يمكن أن يشكل هذا المشروع بديلاً استراتيجياً لمشروع إسرائيلي طُرح عام 2018 لربط الأراضي المحتلة بدول الخليج عبر الأردن.

لكن "عبد القادر صبرا"، القنصل السوري الفخري السابق، يرى أن التحديات الأمنية في سوريا تُعد من أبرز العقبات أمام إحياء المشروع، مشيراً إلى ضرورة ضمان سلامة السكك الحديدية والمسافرين والبضائع، خاصة بعد تعرض الخطوط الحديدية لسرقات وتخريب خلال السنوات الماضية.

إضافة إلى ذلك، تظل التكاليف المرتفعة عائقاً كبيراً، رغم إمكانية تجاوزها عبر حلول تمويلية متعددة، مثل القروض أو التمويل المشترك أو حتى التزام تركيا ببناء الخط وتشغيله لفترة معينة بموجب اتفاقية استثمارية.

يذكر أن الخط الحجازي، الذي أُنشئ في عهد السلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" بين عامي 1900 و1908، كان من أبرز المشاريع الاستراتيجية للإمبراطورية العثمانية، حيث موّل عبر تبرعات عثمانية وإسلامية. 

وربط الخط بين دمشق والمدينة المنورة مع امتداد نحو مدينة حيفا، ما ساعد في تعزيز الاتصال بين أقاليم الدولة العثمانية واختصر مسافة الحج من ثلاثة أشهر إلى أيام معدودة. لكن المشروع تعرض للتخريب خلال الثورة العربية الكبرى بتحريض بريطاني، ولم يُستكمل الخط إلى مكة، ومنذ ذلك الحين لم تنجح المحاولات لإعادة تشغيله أو تطويره.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: