
أكد "عبدالقادر الحصرية"، حاكم مصرف سوريا المركزي، أن المصرف يعمل على تعزيز الاستقرار النقدي في البلاد، من خلال إعادة بناء الهيكل المؤسسي والرقابي للقطاع المصرفي، وتحديث أنظمة الدفع الوطنية، إلى جانب جذب الاستثمارات واستعادة ثقة المجتمع الاقتصادي السوري.
قطر... شريك استراتيجي ومساهم فعلي
في مقابلة مع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، أشاد "الحصرية" بالدور المحوري الذي تلعبه دولة قطر في دعم القطاع المصرفي السوري. واعتبر أن هذا الدعم لا يقتصر على التمويل، بل يشمل أيضاً تقديم الخبرات القطرية في مجالات الرقابة والتحول الرقمي.
ووصف التعاون بين مصرف سوريا المركزي ونظيره القطري بأنه "نموذج ملهم" في الاستقرار المالي، مشيراً إلى أن الشراكة بين الجانبين تمتد لتبادل الخبرات الفنية، وهو ما يعزز من فرص التعافي الشامل في سوريا.
وأضاف: "إن دولة قطر كانت ولا تزال شريكاً أساسياً للاقتصاد الوطني السوري"، مستعرضاً دورها السابق في تأسيس أول مصرف إسلامي ومصرف تقليدي في البلاد، وهي خطوات أسهمت في تطوير البيئة التشريعية المصرفية.
دور سعودي-قطري في سداد التزامات سوريا
كشف "الحصرية" أن كلاً من قطر والسعودية ساهمتا مؤخراً في سداد نحو 15 مليون دولار من مستحقات سوريا تجاه مجموعة البنك الدولي، مؤكداً أن هذه الخطوة تحمل أبعاداً رمزية وسياسية تتجاوز قيمتها المالية المباشرة.
وأشار إلى أن التجربة القطرية في الرقابة المصرفية وأنظمة الدفع تُعد نموذجاً يُحتذى به في المنطقة، مؤكداً رغبة المصرف المركزي السوري في الاستفادة منها لبناء إطار متكامل للسياسة النقدية.
استقرار الليرة وإصلاحات هيكلية
وأوضح "الحصرية" أن السياسة النقدية الحالية تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:
- تحقيق الاستقرار النقدي.
- إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
- ترخيص مصارف جديدة لتلبية احتياجات الاقتصاد السوري.
وأشار إلى تحسن سعر صرف الليرة السورية بنحو 35% مؤخراً، مع تضييق الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، وهي مؤشرات وصفها بالإيجابية، نتيجة إجراءات مستمرة تهدف إلى تطوير أنظمة الدفع الوطنية.
استراتيجية تمويل لا تعتمد على القروض
شدد "الحصرية" على أن سوريا لن تلجأ إلى القروض التجارية أو الاقتراض من الأسواق العالمية، مفضّلةً بدلاً من ذلك جذب الاستثمارات الأجنبية والاعتماد على صناديق التنمية، من أجل تفادي الوقوع في فخ الديون المكبلة للاقتصاد.
وأكد أن المصرف المركزي ماضٍ في سياسة الاستقلال النقدي، بما في ذلك رفض ربط الليرة السورية بأي عملة أجنبية.
عودة إلى شبكة "سويفت" وتحديث القوانين
أشار "الحصرية" إلى أن رفع بعض العقوبات في أيار الماضي أتاح استئناف الجهود لإعادة تفعيل نظام "سويفت" مع المصارف العالمية. وشدد على أهمية تحديث القوانين وتعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال لبناء الثقة مع القطاع المصرفي العالمي.
وبخصوص الأرصدة السورية المجمدة في الخارج، أكد أن العمل جارٍ على مراجعة الحسابات قانونياً، دون وجود عوائق سياسية، وإنما بعض الإشكالات المرتبطة بقروض سابقة لصناديق تنمية.
تحديث البنية التحتية وأتمتة شاملة
كشف "الحصرية" أن المصرف يعمل حالياً على أتمتة شاملة للعمليات المصرفية، تشمل بناء بنية تحتية متطورة، وتوسيع شبكة المراسلين، واستثمارات ضخمة لتحديث أنظمة المصرف، تمهيداً للانفتاح على النظام المالي العالمي.
وأشار إلى وجود اهتمام كبير من أطراف دولية ومحلية لتأسيس مصارف جديدة في سوريا، حيث تلقت الحكومة السورية أكثر من 70 طلباً بهذا الخصوص.
إحياء مشروع التمويل العقاري
أعاد "الحصرية" التأكيد على عودة مشروع التمويل العقاري الذي وُضع أساسه عام 2009، لكنه تعطّل بسبب الحرب. وبيّن أن المشروع سيتيح للمستأجرين تحويل بدل الإيجار إلى أقساط تملك، مما يساعد في استقرار الأسر السورية وعودة المهجرين.
وشدد على ضرورة التوازن بين العرض والطلب لتجنّب ارتفاع غير مبرر في الأسعار، والحفاظ على استقرار السوق العقارية.
نحو مرحلة جديدة من الاستقرار
وفي ختام حديثه، أعرب "الحصرية" عن ثقته بأن المرحلة المقبلة ستشهد تطورات سريعة في البنية المصرفية، مؤكداً أن قطر تبقى "نموذجاً اقتصادياً ومالياً ملهماً"، وشريكاً استراتيجياً في مسار إعادة الإعمار في سوريا.
خلفيات إقليمية ودولية تدعم التحول المالي في سوريا
يأتي الانخراط القطري في دعم القطاع المصرفي السوري في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية واقتصادية واضحة، إذ بدأت بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها قطر والسعودية، بإعادة رسم علاقاتها مع دمشق على أساس المصالح الاقتصادية والواقعية السياسية.
في تموز 2025، أشارت تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن سوريا حققت بعض التقدم في احتواء التضخم واستقرار سعر الصرف، خاصة بعد تخفيف القيود الغربية على بعض التعاملات المالية ذات الطابع الإنساني والإنمائي. هذه الأجواء فتحت الباب أمام تحركات مالية خجولة من أطراف إقليمية كانت حتى وقت قريب مقاطعة بالكامل للنظام السوري.
من جهة أخرى، عزّزت قطر موقعها كقوة مالية إقليمية عبر صندوقها السيادي (جهاز قطر للاستثمار) الذي تخطت أصوله 500 مليار دولار منتصف هذا العام، مما يمنحها مرونة كبيرة للدخول في شراكات استراتيجية، حتى في بيئات محفوفة بالمخاطر مثل سوريا، طالما وُجدت ضمانات قانونية وتشريعية تعزز مناخ الأعمال.
أما فيما يخص إعادة تفعيل شبكة "سويفت" للمصارف السورية، فقد ارتبط ذلك جزئياً بمخرجات محادثات أوروبية روسية-عربية جرت على هامش منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي في حزيران 2025، حيث طُرحت مبادرات لتخفيف الضغوط التقنية على الأنظمة المصرفية في دول منكوبة، شرط الالتزام بإجراءات الشفافية ومكافحة غسل الأموال.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن أي دعم مالي من قطر أو غيرها، حتى لو كان محدوداً من حيث الحجم، يحمل ثقلاً رمزياً يعكس تغيراً تدريجياً في المواقف الدولية تجاه سوريا، ويفتح المجال أمام قنوات تعاون غير مباشرة، لا تمرّ بالضرورة عبر القنوات الغربية التقليدية.