بعد أكثر من أربعة عشر عامًا من الأزمة التي عصفت بسوريا، أعلن البنك الدولي أن الاقتصاد السوري قد فقد حوالي 90% من قوته بسبب الصراع المستمر والسياسات الاقتصادية الفاشلة والمدمرة التي انتهجها النظام السوري السابق في التعامل مع الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي.
في الوقت الراهن، وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع "بشار الأسد"، يعيش السوريون حالة من التفاؤل الحذر حيال إمكانية تعافي الاقتصاد الوطني بشكل تدريجي. ومع ذلك، يدرك الجميع أن هذا التعافي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود استقرار سياسي شامل في البلاد.
الأرقام تتحدث:
وفقًا لإحصائيات البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2009 حوالي 67 مليار دولار، وهو ما كان يتجاوز إجمالي الناتج المحلي لكل من لبنان والأردن مجتمعين في ذلك الوقت. إلا أن هذا الرقم شهد انهيارًا كبيرًا ليصل في عام 2021 إلى حوالي 8.2 مليارات دولار فقط. وتشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 قد ينخفض إلى نحو 6.2 مليارات دولار، وهو ما يعادل تقريبًا 13% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن.
وفي حال تأكدت التقديرات الخاصة بعام 2024، فإن الناتج المحلي الإجمالي السوري سيعود إلى مستوى يوازي ما كان عليه قبل حوالي 39 عامًا، حسب البيانات التاريخية للبنك الدولي.
ومع نهاية عهد النظام البائد، بدأ السوريون في إعادة ترتيب أولوياتهم الاقتصادية. إذ تشير التوقعات إلى أن بعض القطاعات الرئيسية قد تلعب دورًا محوريًا في استعادة السيولة النقدية ودفع عجلة الاقتصاد الوطني نحو التعافي.
قطاع الطاقة في سوريا: ركيزة أساسية للتعافي الاقتصادي
في عام 2010، كان قطاع النفط يمثل نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، ونصف قيمة صادراتها، وأكثر من نصف إيرادات الدولة. إلا أن الحرب التي عصفت بالبلاد أدت إلى دمار واسع في هذا القطاع، مما يجعل إعادة إحيائه أمرًا بالغ الأهمية لوقوف الاقتصاد السوري من جديد. إذ يمكن لهذا القطاع أن يوفّر السيولة النقدية الضرورية لدفع عجلة الاقتصاد.
قبل اندلاع الحرب، كانت سوريا تنتج حوالي 390 ألف برميل من النفط يوميًا، بينما بلغ الإنتاج ذروته في عام 2002 بأكثر من 600 ألف برميل يوميًا. ومع ذلك، شهد الإنتاج تراجعًا حادًا خلال سنوات الصراع ليصل إلى ما بين 40 و80 ألف برميل يوميًا فقط.
تتركز موارد النفط السوري في منطقتين رئيسيتين: الشمال الشرقي، وخصوصًا محافظة الحسكة، والمنطقة الشرقية الممتدة على طول نهر الفرات وصولًا إلى الحدود العراقية قرب دير الزور. بالإضافة إلى ذلك، توجد حقول صغيرة في جنوب الرقة. أما الغاز الطبيعي، فتتركز موارده في المناطق الممتدة حتى تدمر، وسط البلاد.
من جهة أخرى، يُتوقع أن يلعب الغاز الطبيعي دورًا مهمًا في تحسين قطاع الكهرباء، وهو خطوة أساسية لاستعادة النشاط الاقتصادي في البلاد. كما أن إعادة تشغيل منشآت إنتاج النفط والمصافي ستساعد في تلبية احتياجات السوق المحلية من الوقود، بالإضافة إلى تعزيز الإيرادات الحكومية، مما يساهم في تمويل جهود إعادة الإعمار ودفع عجلة الاقتصاد نحو الاستقرار.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، اعتمد النظام السوري السابق بشكل متزايد على النفط الإيراني منذ عام 2014، حيث وفرت طهران بين 50 و80 ألف برميل يوميًا بموجب شروط ائتمانية ميسرة، وكان ثمن ذلك هو تبعية سياسية وعسكرية ذليلة للشعب السوري.
قطاع الإنشاءات والبنية التحتية: تحديات إعادة الإعمار في سوريا
تعرض قطاع الإنشاءات والبنية التحتية في سوريا لدمار هائل نتيجة الصراع المستمر لأكثر من عقد من الزمن. المدن الكبرى، مثل حلب ودمشق وحمص ودير الزور، شهدت أضرارًا جسيمة طالت المباني السكنية والمرافق العامة والطرق، مما أضاف أعباء ضخمة على كاهل الاقتصاد السوري.
وفقًا لتقديرات البنك الدولي، تجاوزت تكلفة الأضرار التي لحقت بهذا القطاع حوالي 120 مليار دولار بحلول عام 2023. وتشير التقارير إلى أن حوالي 40% من المباني السكنية إما دُمّرت بالكامل أو تضررت بشكل جزئي، مما أسفر عن نزوح ملايين السوريين. كما بلغت نسبة الأضرار التي لحقت بالمرافق العامة، مثل المدارس والمستشفيات والمباني الحكومية، نحو 60% في المناطق التي شهدت أشد المعارك.
قبل اندلاع الحرب، كان قطاع الإسكان يمثل حوالي 30% من المشاريع الإنشائية في سوريا. اليوم، أصبح هذا القطاع في حاجة ماسة لاستثمارات ضخمة، حيث تتطلب إعادة بناء أكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية تضررت جراء الصراع.
ومع عودة بعض اللاجئين والنازحين خلال العامين الماضيين، ارتفع الطلب على المساكن الجديدة بشكل ملحوظ، ما أدى إلى تضاعف أسعار العقارات ومواد البناء بنسبة تصل إلى 300% مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
أما الطرق والجسور، فقد تعرض حوالي 50% منها للتدمير أو الضرر، بما في ذلك شبكات النقل الرئيسية مثل الطريق الدولي M5 الذي يربط بين حلب ودمشق، والطريق M4 الذي يصل اللاذقية بالحسكة. هذه الطرق الهامة كانت معطلة لفترات طويلة، مما أثر بشكل كبير على حركة النقل والتجارة.
وفقًا للأمم المتحدة، تتطلب عملية إعادة الإعمار استثمارات سنوية تتراوح بين 10 و15 مليار دولار على مدار العقدين المقبلين. ويُتوقع أن يستحوذ قطاع الإسكان والبنية التحتية على أكثر من 60% من التمويلات الدولية المخصصة لإعادة الإعمار، مما يجعله محورًا رئيسيًا في الجهود الرامية لإعادة بناء سوريا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وفي تطور محوري بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول، تمكنت فصائل الثوار في سوريا من فرض سيطرتها على العاصمة دمشق، إلى جانب مدن أخرى، مما أدى إلى انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع. بهذا الانسحاب، طويت صفحة دامت 61 عامًا من حكم حزب البعث و53 عامًا من سيطرة عائلة الأسد على السلطة في سوريا.