سوريا أغلى جيرانها عقارياً… مشاريع الأبراج قد تَعِد بانفراج

18/08/2025

تشهد سوق العقارات في سوريا مستويات أسعار غير مسبوقة، جعلت شراء منزل حلمًا بعيد المنال لمعظم العائلات. فالشقة المتوسطة أو القديمة في دمشق تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار، أي ما يعادل أضعاف ما يحتاجه المواطن لتأمين سكن في مدن مجاورة مثل عمّان أو بيروت. ورغم هذا الغلاء، تلوح في الأفق مشاريع أبراج سكنية ضخمة وُقّعت مع شركات دولية، يُنظر إليها كفرصة قد تسهم في إعادة التوازن إلى السوق وتوفير وحدات سكنية جديدة تخفف الضغط على الأسعار.

في هذا الصدد، أوضح الخبير العقاري الدكتور "عمار يوسف" في حديث لـ"الوطن" أن أسعار العقارات في سوريا لم تشهد أي تراجع عقب توقيع مذكرات تفاهم استثمارية مع شركات دولية لبناء أبراج سكنية. مشيرا إلى أن هذه الاتفاقيات وحدها غير كافية لتحريك السوق، قائلاً: "عندما يبدأ التنفيذ على الأرض، عندها فقط سنرى انخفاضاً ملموساً في الأسعار القائمة".

مواد البناء ليست العامل الحاسم

بحسب الدكتور "يوسف"، فإن أسعار مواد البناء مثل الإسمنت والحديد تتأثر فعلياً بتقلبات سعر الصرف. اليوم يتراوح سعر طن الإسمنت بين 120 و130 دولاراً، بينما يقف سعر طن الحديد بين 675 و700 دولار.

مع ذلك، لا يعتبر هذا العامل محدداً أساسياً في قيمة العقار. بل إن الموقع الجغرافي يلعب الدور الأكبر: فالمنزل في حي راقٍ قد يُباع بأضعاف ثمن منزل مشابه في حي شعبي، رغم استخدام المواد نفسها في البناء.

لماذا سوريا أغلى من جيرانها؟

يؤكد الدكتور "يوسف" أن أسعار العقارات في سوريا أعلى من كل دول الجوار، بل وتفوق في بعض الأحيان أسعار دول أوروبية شرقية.

السبب الرئيسي يعود إلى غياب البدائل الاستثمارية، ما دفع شريحة واسعة من التجار ورؤوس الأموال إلى تكديس استثماراتها في سوق العقارات، وهو ما خلق حالة من "التضخم السعري" غير متناسبة مع الدخول الفعلية للمواطنين.

كما أن تحكم كبار المضاربين في السوق عزّز الفجوة بين الأسعار والقدرة الشرائية. على سبيل المثال، شقة متوسطة في دمشق قد تُباع بما يعادل 100 إلى 125 ألف دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير دخل الأسرة السورية العادية، ويقترب من أسعار عقارات في مدن كبرى مثل إسطنبول أو بيروت.

جمود واضح في حركة البيع والشراء

يرى الدكتور "يوسف" أن سوق العقارات يعيش حالة من الجمود شبه الكامل، فحركة البيع والشراء ضعيفة للغاية. وغالبية من يبيعون اليوم هم المضطرون، إما لتأمين متطلبات حياتية يومية أو بهدف السفر، وغالباً ما يستبدلون عقارهم الحالي بمنزل أصغر أو أرخص سعراً.

قراءة أوسع للسياق الاقتصادي

  • تأثير الحرب والتضخم: وفق تقارير البنك الدولي، فقد الاقتصاد السوري أكثر من نصف ناتجه المحلي خلال عقد من الحرب، فيما ارتفعت مستويات التضخم إلى مستويات خانقة. هذا الواقع جعل العقارات تتحول إلى ملاذ استثماري آمن لحماية القيمة، على حساب قدرتها على تلبية الاحتياجات السكنية للمواطن.
  • الفوارق داخل السوق: دراسة أكاديمية عام (2023) وجدت أن العقارات المتضررة في بعض أحياء دمشق فقدت حتى 89% من قيمتها، بينما بقيت الأحياء الراقية محتفظة بأسعارها أو شهدت ارتفاعاً. هذه الفوارق توضح أن السوق منقسم طبقياً بوضوح.
  • مقارنة إقليمية: في الأردن، يمكن الحصول على شقة متوسطة بسعر يقل عن نصف ثمن شقة مماثلة في دمشق. أما في لبنان، ورغم الأزمة الاقتصادية، فإن بعض الشقق لا تزال أقل سعراً من نظيراتها في العاصمة السورية.

ما الذي قد تغيّره الأبراج؟

الآمال معلّقة على مشاريع الأبراج السكنية الجديدة. تنفيذ هذه المشاريع على نطاق واسع قد يضيف معروضاً كبيراً من الشقق، مما يخفف الضغط على الأسعار ويفتح المجال للمنافسة.

لكن التأثير سيبقى مرهوناً بالانتقال من "مرحلة الاتفاقيات الورقية" إلى "مرحلة التنفيذ الفعلي". وحتى يتحقق ذلك، يظل السوق خاضعاً لقوانين العرض المحدود والطلب المرتفع.

الخلاصة:

  • الواقع الحالي: أسعار مرتفعة، سوق راكد، بيع اضطراري فقط.
  • الأسباب: ندرة البدائل الاستثمارية، سيطرة رؤوس الأموال الكبيرة، ضعف القوة الشرائية.
  • المستقبل المحتمل: انخفاض واضح عند بدء تنفيذ مشاريع الأبراج، لكن إصلاح السوق يتطلب أيضاً معالجة أعمق للاقتصاد، من سعر الصرف إلى سياسات التمويل العقاري.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: