تخشى إسرائيل وداعموها حول العالم، أن تتسبب الحرب مع لمقاومة الفلسطينية في غزة بإحداث حالة من الفوضى في جميع أنحاء المنطقة، مع تزايد احتمالات استمرارها لفترة ممتدة، واتساعها لتشمل أطرافاً أخرى، ما قد يؤدي إلى تفاقم الفوضى الاقتصادية، بالإضافة إلى الخسائر البشرية المدمرة.
ويرى البروفسور في جامعة جورج تاون بواشنطن "مايكل لينش"، في تحليل بمعهد "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، أن الحرب ستكون مكلفة جداً بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي والعلاقات التجارية التي بنتها إسرائيل مع دول المنطقة العربية.
ويشير "لينش" إلى أن الذين يحثون إسرائيل على غزو قطاع غزة بريا يدفعونها نحو "كارثة استراتيجية"، وهو ما يتفق مع رأي العديد من المؤسسات العسكرية.
وفي ذات الصدد، يوصي مصرف "سيتي بنك" باتخاذ مراكز قصيرة الأجل على الشيكل هذا الأسبوع، محذراً من أن التكاليف المرتبطة بالحرب قد تتصاعد قريباً، وأن البنك المركزي الإسرائيلي قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً.
وحتى الآن، استنزف بنك إسرائيل جزءاً كبيراً من احتياطياته البالغة 200 مليار دولار في دعم الشيكل المتقهقر.
من جانبه، يرى بنك هبوعاليم الإسرائيلي أن كلفة العملية العسكرية على غزة وحدها قد تكلف الخزينة الإسرائيلية نحو 6.8 مليارات دولار، ولكن الكلف الاقتصادية الأخرى التي ستطاول الاقتصاد الإسرائيلي والثقة الاستثمارية بأدواته المالية لا يمكن حسابها في الوقت الراهن، لدرجة أن بعض وكالات التصنيف العالمية أجلت إصدار تصنيف للاقتصاد الإسرائيلي ووضعت الاقتصاد في الخانة السلبية.
وتقدر الخسائر الإسرائيلية منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" بعشرات المليارات من الدولارات، فالبنك المركزي الإسرائيلي تدخل في سوق الصرف بنحو 45 مليار دولار حتى الآن في محاولة فاشلة لمنع العملة من الانهيار، وهو في حيرة حالياً حول مسار السياسة النقدية السليمة التي تحفظ التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الأصول الإسرائيلية المقومة بالشيكل.
في هذا الصدد، يقول تحليل لشركة" تي راو برايس" الأميركية للاستثمار إنه في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، تراجع سعر صرف الشيكل مقابل الدولار بمعدلات حادة، متجاوزًا عتبة 4 شيكلات لكل دولار للمرة الأولى منذ عام 2015. وكانت عمليات البيع بأسعار سندات الحكومات المحلية الإسرائيلية متواضعة نسبيًا.
ويشير خبراء إلى أن التجار رفعوا من حجم رهاناتهم ضد الشيكل الإسرائيلي في تعاملات الأيام الماضية، ما زاد الضغط على البنك المركزي الإسرائيلي لإبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير وتحقيق الاستقرار في العملة، على الرغم من تكلفة الحرب التي تلوح في الأفق على الاقتصاد.
من جانبها، وضعت وكالة فيتش الاقتصاد الإسرائيلي تحت مراقبة التصنيف السلبي. ولكن خبراء يرون أن الحرب قد ترفع من علاوة المخاطرة في أسواق المال الإسرائيلية، كما أن الثقة الاستثمارية بالاقتصاد الإسرائيلي ستواصل الاهتزاز.
ولا تزال الحيرة تسيطر على البنك المركزي، بشأن السياسة النقدية التي يمكن اتخاذها لاستعادة التوازن للشيكل المنهار في سوق الصرف الأجنبي. ومن المقرر أن يعقد بنك إسرائيل اجتماعاً للجنة سياسته النقدية يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لاتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة على عملته المحلية، الشيكل.
وبفعل تطورات الحرب على قطاع غزة، يتوقع محللون في بورصة تل أبيب أن يقدم البنك على خفض أسعار الفائدة، وهو قرار اتخذه البنك آخر مرة في إبريل/نيسان 2020 لمواجهة تبعات جائحة كورونا.
ووفقًا لأبحاث دويتشه بنك، ارتفعت المراكز المكشوفة، أي الرهانات على ضعف العملة، بشكل حاد في الأسبوع الذي أعقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى أعلى مستوى منذ يناير/كانون الثاني من العام 2022.
ويضع التراجع الحاد في صرف الشيكل بنك إسرائيل في مأزق. فمن ناحية، من المرجح أن تلجأ وزارة المالية الإسرائيلية إلى تحفيز الاقتصاد من خلال خفض تكاليف الاقتراض في مواجهة صدمة النمو، في حين أنها من ناحية أخرى، ستكون حذرة من تداعيات ضعف العملة على ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
وفي إسرائيل، ترك ما يصل إلى 360 ألف جندي احتياطي وظائفهم وشركاتهم للتعبئة للخدمة العسكرية، مما أدى إلى توقف أجزاء من الاقتصاد. وتباطأت صناعة التكنولوجيا في إسرائيل، وهي محرك النمو الأساسي، بشكل مفاجئ، كما تم إيقاف الإنتاج في أحد حقول الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية الرئيسية، ما اضطر البنك المركزي لتخصيص مليارات الدولارات لمنع العملة الإسرائيلية، الشيكل، من الانهيار.
ويمثل التصعيد الأخير مرحلة صعبة بالنسبة للاقتصاد الذي كان مزدهرًا في السابق، وحصل على اعتراف مجلة الإيكونوميست باعتباره رابع أفضل اقتصادات العالم أداءً بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما نجح قطاع الشركات الناشئة في إسرائيل في جذب استثمارات أجنبية كبيرة.
لكن الاقتصاد بدأ يتعثر هذا العام بعد أن تقدمت حكومة يمينية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بخطة مثيرة للجدل للحد من سلطة القضاء، والتي قال منتقدوها إنها قد تضعف سيادة القانون، وتحرض ملايين الإسرائيليين على الاحتجاج في الشوارع. وهدد العديد من قادة شركات التكنولوجيا بمغادرة البلاد بسبب الإصلاح القضائي، قائلين إنه سيقوض مكانة إسرائيل، ويسبب تراجع اقتصادها.
وتسببت التوجهات الأخيرة للحكومة الإسرائيلية في انخفاض بنسبة 60% في الاستثمار الأجنبي في إسرائيل، كما أدت إلى تسريع تآكل قيمة الشيكل والتقلبات الواسعة في سوق الأسهم الإسرائيلية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع التضخم وتزايد توقعات تباطؤ نمو الاقتصاد.
أما على الصعيد الدولي، تتركز المخاوف الإسرائيلية من حرب غزة على النفط ومستقبل أسعاره، كما تتركز كذلك على خطط إسرائيل المستقبلية الرامية لدمج اقتصادها في اقتصادات المنطقة، وكذلك على خسارة مشروع الممر الاقتصادي الهندي الخليجي الذي خطط له تل أبيب أن يمر عبر حيفا إلى أوروبا، وهو ممر كانت تعول عليه إسرائيل في التمدد الاقتصادي عالمياً، وأن تصبح وسيطاً في نقل النفط العربي إلى أوروبا، وبالتالي ضرب قناة السويس كممر لا غنى عنه في التجارة العالمية، وكذلك ضرب مضيق هرمز الذي تمر فيه نحو 17.5 مليون برميل يومياً.
ولا يستبعد محللون أن تقود الحرب ضد قطاع غزة تلقائياً إلى خسارة تل أبيب علاقاتها التجارية مع بعض الدول العربية التي وقعت معها معاهدات سلام.
ويؤكد خبراء ومراقبون أن وجهة نظر "نتنياهو" تتركز في أن أمن إسرائيل يمر عبر زرع الفوضى في المنطقة العربية والضغط عليها اقتصادياً عبر المؤسسات المالية الدولية، وبالتالي إفقار شعوبها، ولكن محللون يرون أن هذه الحرب ربما تثبت لتل أبيب عكس ذلك وتغير الكثير في علاقات دول المنطقة مع إسرائيل.