يعتبر الغاز ورقة اقتصادية غاية في الأهمية في الوقت الحالي، وتركيا تدرك ذلك جيدًا لكنها تدرك أكثر بأنها وصلت إلى مفترق طرق في هذه الخصوص، ذلك أنها لم تكن ممنونة من إيرادات الغاز الإيرانية في الماضي، ولا أحد يأمن روسيا المتصارعة مع الغرب حاليًا.
وهكذا فقد قصد الأتراك العراق، حيث يجري الحديث حاليًا، عن حراك لإعادة إحياء مشروع تصدير الغاز إلى تركيا من حقلي خورمو الغازي في أربيل، وجمجمال في السليمانية.
وأوضحت صحيفة "العربي الجديد"، نقلًا عن مصادر في وزارة النفط والثروات الطبيعية التابعة لحكومة إقليم كردستان، بأن الأتراك مهتمون جدا بالملف منذ أسابيع رغم وجود عوائق فنية وقانونية داخل العراق لإتمام الاتفاق.
ثروات الغاز في العراق:
يمتلك العراق في حقوله الشمالية الواقعة ضمن إقليم كردستان ونينوى وكركوك احتياطات غاز هائلة تقدر بنحو 200 ترليون قدم مكعبة وتتوزع على عدة حقول، بعضها مصنفة على أنها مشتركة وتضم الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، وأخرى مستقلة قرب أربيل وشيخان والسليمانية، وجميعها تفتقر للبنى التحتية التي تمكنها من التصدير للخارج.
وتعمل عدة شركات محلية وأخرى إماراتية، أبرزها دانة غاز، في الإقليم ضمن مشاريع تطوير وتنقيب منذ عام 2007، تصب أغلبها في مجال تطوير البنى التحتية لحقول النفط والغاز والتي يذهب جزء منها للاستهلاك الداخلي.
ولا يعتبر الحديث عن مباحثات أو حراك بين أربيل وتركيا حيال استيراد الأخيرة للغاز العراقي جديداً، إذ إنّه في العام 2013 تم توقيع اتفاق تعاون لتصدير الغاز إلى تركيا، لكنّ الحروب التي نشبت حينها في محافظة نينوى المجاورة، وما رافقها من أحداث، أوقف تلك التفاهمات.
الأتراك راغبون بإعادة إحياء الاتفاق:
أكدت "العربي الجديد" نقلًا عن مسؤول في وزارة النفط والثروات الطبيعية بأربيل، أنه يوجد رغبة تركية جديدة لإعادة إحياء التفاهمات حول شراء الغاز.
حيث بيّن المسؤول أنّ تركيا ترغب بذلك من بوابة بغداد حصرا وضمن تفاهمات مع حكومة الإقليم بطبيعة الحال، واعتبر أنّ العراق يمكنه توفير الغاز لتركيا بكميات كبيرة في حال توفرت مشاريع تطوير البنية التحتية، والتي تحتاج حالياً الى عامين على الأقل لتكون قادرة على التصدير "وتركيا يمكنها المساعدة بذلك كما علمنا".
توقيع اتفاقية لمد خط أنابيب:
مطلع الشهر الماضي تم الكشف عن توقيع حكومة إقليم كردستان اتفاقاً مع شركة "كار غروب"، لتمديد خط أنابيبها الغازية إلى محافظة دهوك الحدودية مع تركية، ومن المتوقع أن يتم تنفيذ المشروع بالكامل خلال 16 شهراً.
وكررت محطة تلفزيون "رووداو"، المقربة من حكومة أربيل، القول إن وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان وقعت اتفاقاً مع شركة "كار غروب" لتمديد خط أنابيب بحجم 52 إنشاً للغاز الطبيعي من حقل خورمور الغازي إلى دهوك، وأكدت أن المشروع في حال اكتماله يعني أن خط الأنابيب الغازية لإقليم كردستان بات على بعد 35 كيلومتراً من الحدود التركية، حيث سيغذي محطات للكهرباء هناك.
وفي مطلع فبراير/ شباط الماضي، قال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إنّ العراق قد يزوّد بلاده بالغاز الطبيعي، مؤكّداً أنّ تركيا لا تواجه نقصاً في مخزون الغاز.
ولفت "أردوغان" في تصريحات، إلى أن "ثمّة أصوات داخلية في تركيا تدعي نقص مخزون الغاز الطبيعي بالبلاد، رافضاً تلك الادعاءات بشدة".
وأوضح أنّ حقيقة ذلك مشكلة بسيطة مصدرها الجانب الإيراني، ولا تعني نفاد مخزون الغاز بالبلاد، وما إذا كان الغاز العراقي سيأتي إلى تركيا من الحكومة المركزية أمّ من إقليم شمالي العراق.
مشكلة الأتراك مع إيران:
على الجانب التركي، سرّعت "صفعة إيران" بإيقاف توريد الغاز لتركيا لمدة 10 أيام، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، بحجة خطأ فني بالأنابيب أو عطل فني في محطة "غوربولاك"، شرقي تركيا، بحث أنقرة عن بدائل، سواء عن الغاز الإيراني أو حتى الروسي.
وفضلاً عن إنشائها عدة خطوط أنابيب جديدة، لنقل الغاز الأذربيجاني وزيادة واردات الغاز المسال، تعوّل أنقرة على الغاز الإسرائيلي، ليتزامن ذلك مع إحياء التفاوض مع إقليم شمالي العراق، للاستثمار.
وتسعى أنقرة إلى تأمين نفسها من مخاطر الإمداد، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتبدل خريطة الطاقة، أو تخفف من فاتورة استيراد نحو 53.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً جراء بعد المسافة وأجور النقل.
وقال الأكاديمي التركي "سمير صالحة" إنّ بلاده ناقشت الأمر مع رئيس إقليم كردستان، لكنّها تتابع التفاوض مع حكومة العراق "ربما سراً"، مؤكداً حرص بلاده على حسن وتطوير العلاقات مع بغداد، خصوصاً بواقع التقارب بالآونة الأخيرة و"حلحلة" قضايا اقتسام مياه نهر الفرات والتنسيق الأمني شمالي العراق، بما يتعلق بمن يصفهم بإرهابيي جبل قنديل.
هل يمكن تغيير خريطة الطاقة بالمنطقة في ظل الأزمات الحالية؟
يقول رئيس مركز أبحاث استراتيجيات وسياسات الطاقة في تركيا "أوغوزهان آق ينر" معلقًا على الأمر: "لا أعتقد أنّ العراق سيقوم، على المدى القريب، بتصدير الغاز إلى تركيا أو أوروبا في ظل أزمة الطاقة الموجودة حالياً".
ويستشهد في ذلك بتصريحات رئيس لجنة الطاقة ببرلمان إقليم شمال العراق "علي حمه صالح" التي قال فيها: "سيبدأ الإقليم بتصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا عام 2025"، وذلك، كما يضيف رئيس مركز أبحاث استراتيجيات وسياسات الطاقة في تركيا، رغم أن العراق تمكّن من إدخال 3 حقول للغاز الطبيعي فقط من أصل 15 إلى الخدمة، وأن تركيا قادرة على بناء وتشغيل وتطوير هذه الحقول وخطوط الأنابيب والمنشآت الخاصة بها وتأمينها.
ويضيف "أوغوزهان آق ينر"، خلال حديث نقلته وكالة "الأناضول" قبل أيام: "بالرغم من أن لدى العراق احتياطيا من الغاز الطبيعي يقدر بـ3.5 تريليونات متر مكعب، إلا أنه لم يتمكن من جذب استثمارات لتطوير حقول الغاز واستخراجه، لعدم توافر إمكانية نقله من البلاد الى أي سوق بطريقة آمنة ومستدامة وبكلفة مناسبة."
ولفت إلى أنّ العراق ينتج ويستهلك حاليا أكثر من 10 مليارات متر مكعب سنوياً، وأن حوالي 20 مليار متر مكعب يستخرج ويُحرق أثناء استخراج البترول، وأن بغداد تستورد من إيران 10 مليارات متر مكعب أخرى لتشغيل محطات توليد الكهرباء.