دأب العراق خلال السنوات الماضية على إبرام عدة اتفاقيات لاستكشاف آبار وحقول النفط مع العديد من الشركات العالمية، ليُثير بذلك الكثير من التساؤلات، أبرزها ما جدوى زيادة أعداد حقول النفط في وقت أن إنتاج العراق محدد بقرارات منظمة "أوبك" (OPEC) ولا يمكنه تجاوزها إلا بخروجه منها؟
في حين لا يلجأ العراق إلى استغلال الغاز المصاحب أو استكشاف حقول غازية في ظل إمكانية إيجاد سوق واسع لها بسهولة، خصوصًا مع أزمة الغاز الحالية التي اجتاحت أوروبا والعالم وأصبحت حديث الساعة.
حقول النفط والغاز المكتشفة خلال السنوات الماضية:
شملت الاستكشافات حتى الآن 5 جولات تراخيص، وهي: الحقول الرمادية أي الحقول نصف المستصلحة (نفطية) عام 2009. والحقول الخضراء وهي غير المستصلحة (نفطية) عام 2009. والحقول الغازية (عام 2010) وهي عكاز الغازي والمنصورية وسيبة، غير أن العمل لم يتم لا في المنصورية ولا في عكاز.
ثم حقول الرقع الاستكشافية وهي 12 رقعة استكشافية تمت إحالة رقعة واحدة منها هي رقم 12 عام 2012. والحقول الحدودية، وقد تضمنت هذه الجولة إحالة 6 حقول للاستثمار الأجنبي، 4 منها نفطية وحقلي غاز في ديالى (شرقي البلاد) عام 2019 وتمت المصادقة على الإحالة في عام 2020.
وفي الرابع من الشهر الجاري أعلن المجلس الوزاري للطاقة عن دعمه للحوار مع شركة شيفرون لتطوير 4 رقع استكشافية في محافظة ذي قار (جنوب) لإنتاج النفط والغاز.
العراق ثاني أكبر بلد يحرق الغاز في العالم بعد روسيا:
بحسب التقديرات، يحتوي حقل عكاز في محافظة الأنبار (غربي البلاد) على 5.3 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، لذا يعد من أكبر حقول الغاز في العراق.
ويعد العراق -وفقا لتقديرات عالمية- ثاني دولة بعد روسيا في حرق الغاز المصاحب، وقد قدرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن العراق أحرق 629 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لغاية الآن، مؤكدةً أن هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.
الحكومة العراقية تخوض باستثمارات "غير سليمة" من وجهة نظر اقتصادية:
تُساعد الاستكشافات النفطية الدول على معرفة احتياطها النفطي، ويعني الاحتياط أن واردات ستدخل إلى ميزانية الدولة، وأنها ستعمل على تنفيذ مشاريع توفر فرص عمل كثيرة، كما يقول الخبير النفطي الدكتور "بلال الخليفة" في حديثه لوكالة "الجزيرة".
وبشأن ما إذا كان الاهتمام بالاستكشافات النفطية أهم في الأولوية من الغازية، قال "الخليفة" إن استثمار الحقول النفطية "غير سليم" والأفضل الاعتناء بالحقول الغازية ومعالجة الغاز المصاحب فقط، مُطالبا باستكشاف وترك الحقول النفطية الآن وجعلها ضمانة لمستقبل أبناء البلد.
ويُشير الخبير النفطي إلى أن الاهتمام الكبير كان موجها لقطاع الاستخراج النفطي، ولم يعط الغاز الأهمية المطلوبة، علما أن الغاز المصاحب للعمليات النفطية في العراق يشكل أكثر من 70% من الغاز الكلي العراقي.
ويقدر الغاز الذي يتم استهلاكه لإنتاج الطاقة الكهربائية وفي العمليات النفطية يوميا بحدود 1500 مليون قدم مكعب، في حين أن الذي يحرق يقدر بـ 1300 مليون قدم مكعب، إذ يحرق العراق ما نسبته 11.5% من محروقات هذه المادة في العالم، رغم أن حرق الغاز يعني خسائر اقتصادية وتلوثا بيئيا كبيرًا في الجو.
ماذا سيقدم الاستثمار بالغاز للعراق؟
يرى الباحث الاقتصادي "عبد الرحمن المشهداني" أن الاهتمام باكتشافات الغاز في هذه المرحلة أهم من النفط بالنسبة للعراق، مشيرًا إلى حاجة ماسة للغاز في الأسواق العالمية.
ويضيف أنه في حال الاستثمار بالغاز يمكن أن يصبح العراق من أكبر المنتجين والمصدرين، مما قد يحقق موارد كبيرة إضافية.
ولفت "المشهداني" إلى أن العالم يشهد تحولا في استخدام الطاقة من الطاقة الثقيلة إلى النظيفة، ومن النفط إلى الغاز الذي يعد أقل تلويثا للبيئة، لافتا إلى أن العراق مقيد بحصته في إنتاج النفط تبعا لأوبك، والأجدى له التوجه نحو الغاز.
ويُحمّل "المشهداني" الفساد المشتري في البلد والظروف الاستثنائية الأخرى عدم دخول محطات العزل الأربع في العراق منذ عامي 2014 أو 2015 في إنتاج الغاز، رغم أن إنتاجها من الغاز يكفي لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية عوضًا عن استيرادها من إيران.