لا تخفي سنغافورة طموحاتها بالتحول إلى مركز عالمي للعملات الرقمية، وما يبرز جدية مساعيها في هذا الطريق هو نهج الاحترازية الذي تتبعه، مما يعني أنها لا تسمح بتداول جميع أنواع العملات الرقمية، ولعل ذلك ما أثبته الجدل الذي أثير بسبب حظر العملة الرقمية "بي تي إس" (BTS) المرتبطة بمجرد مجموعة غنائية.
وأشارت السلطة النقدية في سنغافورة على موقعها الإلكتروني إلى أن منصة بيتغيت لتداول العملات الرقمية، التي يقع مقرها في سنغافورة، لم تعد تتمتع بالإعفاء من الترخيص بموجب أنظمة خدمات الدفع لعام 2019، دون تقديم توضيحات عن سبب هذا القرار، لكن تقرير الاستقرار المالي السنوي الصادر عن البنك المركزي الأسبوع الماضي، أقر للمرة الأولى بأن "الاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية يتطلب فرض مراقبة مشددة".
وذكر موقع بلومبيرغ أن تزايد الإقبال على العملات الرقمية لا يدعو إلى القلق على المدى القريب، خاصة أن ذروة التداول في العملات الرقمية باستخدام الدولار السنغافوري أقل من 1% من متوسط حجم التداول اليومي في البورصة المحلية، إلا أن الحصة المتزايدة من العملات القائمة على البلوكشين أو سلسلة الكتل (وهي الآلية التي تضمن التحقق من عمليات البيع والشراء) في محافظ المستثمرين يمكن أن يخلق ما يسمى "تأثير الثروة"، كما أشارت السلطة النقدية في سنغافورة إلى أن الاستهلاك قد يكون "عرضة لصدمات كبيرة" بسبب التقلب الذي تتسم به هذه الأصول الرقمية.
ويعتبر السنغافوريون الأكثر ثراء منذ عقد على الأقل، وتمثل العقارات المصدر الرئيسي للثراء بنسبة تقارب 40% من أصول الأسر و75% من الأعباء، بينما يتوقع البعض أن يكون للعملات الرقمية نصيب في هذه النسبة يومًا ما بالمستقبل.
سنغافورة تختار أن تكون مركز جذب للعملات الرقمية ولكن؟
تعتبر سنغافورة بيئة مناسبة لجذب جميع أنواع المنتجات المالية الغريبة، ومع أنها اتخذت قرارا مدروسا بأن تكون لاعبا عالميا رئيسيا في أسواق العملات الرقمية، إلا أنها لا تريد فتح أبوابها على نطاق واسع، ومن بين 170 شركة قدمت العام الماضي طلبات للحصول على تراخيص لتداول العملات الرقمية في سنغافورة، لم تُقبل منها سوى 70 فقط، من بينها الوحدات المحلية لمنصة "كوين بيس" (Coinbase) و"بينانس" (Binance).
ومن بين الشركات الأخرى التي حصلت على ترخيص شركة "دي بي إس" -التي تضاعفت قيمة أصولها 3 مرات في شهر واحد فقط لتصل إلى 600 مليون دولار سنغافوري (440 مليون دولار أميركي) بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبالنظر إلى هذا الإقبال المتزايد، لا بد أن تكون سنغافورة انتقائية بشأن نوع العملات الرقمية التي تُروّج للمستثمرين، وهذا يعني فرض قانون صارم ورقابة مشددة على هذه السوق.