يعاني الشعب السوري جملة من المآسي الاقتصادية المتداخلة التي أثرت فيه إلى درجات لم يعد بمقدور معظم فئاته من تحمل التبعات أمام متطلبات المعيشة، ولا سيما انهيار الواقع الاقتصادي والهبوط الحاد في القيمة الشرائية للعملة السورية، بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي عمّ معظم فئات المجتمع، والركود شبه التام الذي أصاب الأسواق، وفي طبيعة الحال البطالة التي نجمت عن كل ما سبق من ظروف صعبة، وقد ساهمت بشكل كبير بهجرة معظم فئة الشباب إلى خارج سوريا.
معدلات البطالة في سوريا (وفق تصريحات الحكومة)
وصرح المدير العام للمكتب المركزي للإحصاء "إحسان عامر"، بأن معدلات البطالة في سوريا انخفضت نسبياً في عام 2019 لتصل إلى نحو 27 في المائة، بعد أن كانت في عام 2015 نحو 48 في المائة، وهي ارتفاعات كبيرة مقارنة بمعدلاتها في عام 2010 التي بلغت حينها 8.1%، وفق قوله.
وبحسب كلام مدير مكتب الإحصاء، فإن الحاصلين على الشهادة الثانوية كانوا أعلى نسبة للعاطلين عن العمل في سوريا حيث بلغت نسبتهم 52%، أمام فئة الجامعيين الذين بلغت نسبتهم 16%، وخريجي المعاهد المتوسطة ونسبتهم أيضاً 16%، ثم الحاصلين على التعليم الأساسي الذيم شكّلوا 10% من العاطلين عن العمل، وأخيراً فئة الشهادة الابتدائية وما دون وتصل إلى 6%.
وأضاف المسؤول السوري أن المشتغلين في المشروعات الصغيرة -بحسب المستوى التعليمي- هي 54% من حملة الشهادة الابتدائية وما دون، و19% منهم بمستوى التعليم الأساسي، بينما العمالة متوسطة التأهيل من حملة شهادات الثانوية والمعاهد المتوسطة تشكل 18% من المشتغلين في قطاع المشروعات، في حين أن حملة الشهادات العليا يشكلون 9% فقط من إجمالي المشتغلين بها.
سبب انخفاض المستوى التعليمي لدى العاملين
وبرّر المدير العام لهيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة "إيهاب اسمندر"، انخفاض المستوى التعليمي للمشتغلين في قطاع المشروعات، بأنه بسبب عدم التوافق بين مخرجات التعليم الأكاديمي ومتطلبات العمل في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعدم رغبة معظم من هم في سن العمل بمتابعة التحصيل العلمي، وفق قوله. في حين أغفل تماماً ذكر قضية "هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية" التي تعاني سوريا منها منذ القدم والتي تطورت إلى أعلى المستويات حالياً إلى درجة ندرة الكفاءات العلمية المتبقية في البلاد!
الواقع الحقيقي للبطالة في سوريا
وبعيداً عن تصريحات المسؤولين السوريين -المتفائلة دائماً-، يربط كثير من المحللين الاقتصاديين السوريين، بين انخفاض نسبة البطالة في مناطق سيطرة الحكومة وبين هجرة معظم فئة الشباب من هذه المناطق، ولا سيما إلى دول الجوار والخليج العربي ودول اللجوء، إلى حد بات البحث عن طبقة عاملة من فئة الشباب أمر لا طائل منه بسبب قلة عددهم، وهجرتهم لتأمين قوتهم وقوت أهلهم الباقين في سوريا، وللتخلص من الخدمة العسكرية والأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وبعبارة أخرى… يقول المحللون أن الحاصل ليس انخفاضاً في نسبة البطالة بين الشباب السوريين، بقدر ما هو مغادرة معظم هذه الفئة من مناطق سيطرة الحكومة، وبالتالي تدنّت نسبة الباحثين عن العمل في تلك المناطق مؤخراً.
ومع التصريح بأن تحقق هذه النسبة من البطالة تتسبب بخسارة 2.5% من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في سوريا لعام 2019، أبدى مراقبون استغرابهم حول ما إذا كان فعلاً هناك ناتج محلي في سوريا، بعد خروج معظم القطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والتجارية والنفطية والسياحية خارج الخدمة، ومع استيراد القمح والمحروقات وكثير من الغذائيات والعديد من الأشياء التي كانت سوريا مكتفية ذاتياً منها وتصدّرها إلى الدول الأخرى.