اعتبر أكاديميون وخبراء اقتصاديون سوريون أن التضخم أصبح هو الحالة الطبيعية في سوريا، وأن الليرة السورية باتت عملةً مولدة للتضخم بحد ذاتها، مشيرين إلى أن كل ذلك يأتي نتيجة لفقدان بوصلة الإدارة الاقتصادية لدى المسؤولين وأصحاب القرار بالبلد.
في هذا السياق، بيّن الدكتور المدرس في قسم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية بجامعة حلب "عبد الرؤوف نحاس" أنه تم الوصول لقناعة تامة في الاقتصاد السوري بعد 12 سنة من الحرب، أن التضخـم أصبح يولد تضخماً مستمراً دورياً لا يمكن إيقافه إلا بمجموعة إجراءات.
لا ثقة بالليرة السورية:
يؤكد الدكتور "نحاس" أن حقيقة فكرة "التضخم يحقق ذاته" تعود لفكرة تراجع الثقة بالليرة السورية وبالتالي أصبح الأفراد يذهبون باتجاه ملاذ آمن آخر سواء السلع أو العملات الأخرى مقابل التحوط من الليرة السورية ما يدفع إلى مزيد من الضغوط التضخمية داخل الاقتصاد دون أسباب التضخم الحقيقية.
وبالتالي فإن توقعات التضخم في سوريا لم تعد تعتمد على الأسباب الحقيقية للتضخم، بل أصبحت تولد ذاتها بذاتها نتيجة عدم استطاعة الحكومة في الفترة الأخيرة توليد جدار من الثقة بين الأفراد والحكومة لجهة ثقتهم بالليرة السورية.
ويشير الدكتور "نحاس" إلى محركين أساسيين للتضـخم، الأول متعلق بالسياسة المالية والنقدية وأن عدم تناغم السياستين المالية والنقدية، لا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث أدى إلى فجوة حقيقية بين مستوى المدخول والأسعار وحدوث ارتفاعات كبيرة جداً على مستوى معدلات التضخم في سوريا، مضيفاً بأنه "كلما استطعنا تحقيق حالة من التناغم بين السياستين المالية والنقدية داخل السلطة في سوريا نستطيع إيجاد الحلول ونذهب باتجاه تخفيض معدلات التضخم".
أما المحرك الثاني بحسب الدكتور فهو محرك ديناميكي يعتمد على سعر الصرف المحلي، مضيفاً: "تغير أسعار الصرف في سوريا خلال الحرب حيث كان مستقر عند الـ 50 ليرة قبل 2011 ومن ثم تغير بطريقة مختلفة حيث كانت تدريجية بداية ومن ثم طريقة جامحة أدت إلى حدوث ارتفاعات وضغوط تضخمية وتسجيل أرقام مرتفعة بمعدلات التضخم في سوريا وصلت إلى 156% في عام 2023".
زيادة العرض النقدي بالأسواق بدون زيادة حقيقية بالإنتاج:
في سياقٍ متصل، أوضح الدكتور رئيس قسم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية بجامعة حلب "محمد الأحمد"، أنه بدراسة تحليل التضخـم المتمثل بزيادة العرض النقدي وارتفاع أسعار الصرف في الفترة ما بين 2011 و 2021 فإن هذه الفترة اتسمت بعدد من النقاط السلبية على الاقتصاد السوري نتيجة سياسة التمويل بالعجز التي اتبعتها الحكومة السورية لتعويض العجز الحاصل بالإيرادات وخاصة النفطية، إضافة إلى سياسة ترشيد الدعم وهجرة الأموال إلى الخارج وانخفاض الإيرادات المتدفقة للدولة من القطع الأجنبي وزيادة المضاربة على سعر الصرف واستنزاف الاحتياطي من القطع الأجنبي.
ويضيف الدكتور "الأحمد": "من أهم أسباب التضخم زيادة العرض النقدي مقاسة بمعدل النمو، ففي فترة دراسة تم إجراؤها خلال سنوات الحرب ازداد معدل النمو بعرض النقد إذ وصل إلى 23% عام 2013 رافقه ارتفاع بمعدل التضخم وصل إلى 81% ومن ثم استمر معدل الزيادة بعرض النقد بالمفهوم الواسع بزيادة مستمرة بلغت 11.27% نهاية عام 2021 وبالتالي ارتفع معدل التضخم 118% عام 2021".