من المعلوم أن معظم المشاريع يقاس مدى جدواها الاقتصادية بقدرتها على منافسة مثيلاتها زمنيا وماديا، لذا لا يمكن الحديث عن أي مشروعاتِ طرقٍ برية أو ممراتٍ بحرية للربط التجاري بين دولِ وقاراتِ العالم بمنأى عن تأثيرها على قناة السويس المصرية التي تستحوذ على 12% من حركة التجارة العالمية.
أحدثُ المشاريع الضخمة المطروحة، كان مشروع الممر الاقتصادي الذي تم الإعلان عنه حديثًا في قمة مجموعة العشرين بالهند، والذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط.
المشروع الذي تحمست له ودعمته واشنطن بدا أنه منافس لمشروع الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد) الذي أطلقته الصين قبل 10 سنوات.
ويتألف المشروع الجديد من ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا.
هل قناة السويس في خطر أمام مشروع ممر الهند؟
يشرح الدكتور "أحمد الشامي"، مستشار النقل البحري وخبير اقتصاديات النقل ودراسات الجدوى، أن "ما تم توقيعه هو مذكرة تفاهم طموحة جدا تتضمن عدة وسائط نقل ما بين نقل بحري وبري، وهي نوع من أنواع الدعاية السياسية، لكن يظل نقل الطاقة من خلال مِثل تلك الممرات مجرد حلم، لأن أكبر حجم يمكن نقله من خلال السكة الحديد لا يشكل 1% مما يمكن نقله عبر السفن العملاقة التي تمر عبر قناة السويس".
وأوضح في حديثه لوكالة "الجزيرة"، أن المشروع هو نوع من أنواع تعزيز التجارة البينية لمجموعة من الدول، مثل المحور الذي يربط بين الهند وإيران وروسيا لا يتجاوز حجم التجارة البينية من خلاله ما بين 6 و 12 مليون طن وهو رقم لا يقارن بحجم التجارة الذي يمر عبر قناة السويس البالغ نحو 1.5 مليار طن سنويا.
وبحسب "الشامي" -الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركات أم القرى للاستثمارات البحرية والصناعية في مصر- فإن إضافة ممرات نقل جديدة هو أمر ضروري لمواجهة الزيادة السكانية وزيادة حجم التجارة، ونوع من أنواع التكامل، مستبعدًا إنجاز المحور أو الممر قبل 15 عاما "وقد يمتد إلى 20 عاما، وفي غضون ذلك تعمل مصر على تنمية وتوسعة ممر قناة السويس ومواكبة التطورات الجديدة".
ورغم تأكيد المسؤولين المصريين أنه لا يوجد منافس لقناة السويس على مستوى العالم كونها الأقصر مسافة والأكثر أمانا، إلا أن رئيس هيئة قناة السويس "أسامة ربيع"، لا يخفي قلقه من بعض تلك المشروعات.
وأكد "ربيع" في تصريحات صحفية أن مشروع خط الأنابيب المزمع إنشاؤه بين الإمارات وميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة، ومنه إلى ميناء حيفا، سيقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة قد تصل إلى 16%.
منافسة قناة السويس لا تعني استبدالها:
يرى الخبير في اقتصاديات الطاقة "نهاد إسماعيل"، أن الممرات والطرق البرية والبحرية التي ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة ستنافس قناة السويس ولن تكون بدلا منها، وفي حال اكتمال معظمها ستقلص حركة النقل البحري عبر قناة السويس من 10 إلى 15%.
وفيما يتعلق بمشروع الممر الاقتصادي الجديد توقع إسماعيل، أن يكون له تأثير على كميات السلع والنفط التي تأتي من السعودية والخليج وستقلص عدد ناقلات النفط التي ستعبر القناة من الخليج العربي، لكن لا يزال المشروع قيد الدراسة وبحاجة لسنوات قد تتغير فيها التحالفات السياسية.
وأضاف "إسماعيل" لوكالة "الجزيرة"، أن إدارة قناة السويس قد تدرس تقديم مميزات وحوافز للشركات حتى تستمر في طلب خدماتها، كما توقع أن تلجأ الحكومة المصرية للتعاون مع السعودية في بعض المشاريع وتلعب الدور التكميلي وليس المنافس.
ويرى الخبير في اقتصاديات الطاقة أن التحرك المبكر مطلوب، لكن قناة السويس ستبقى شريانا بحريا مهما للتجارة العالمية خاصة مع النمو الاقتصادي العالمي ونمو حركة النقل البحري عبر القناة، وعلى مصر تطوير البنية التحتية الرقمية لمواكبة التطور التكنولوجي لتحافظ على مركزها التنافسي.
يذكر أن قناة السويس هي أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في مصر وحققت 9.4 مليارات دولار في 2022-2023، مقارنة مع 7 مليارات في السنة المالية السابقة، وشهدت أعلى معدل للعبور بعدد 25 ألفا و887 سفينة، وأعلى حمولة صافية سنوية قدرها 1.5 مليار طن، وتأمل مصر زيادة حركة الملاحة بنسبة 28%، مع الانتهاء من مشروع تطوير المجري الملاحي للقناة خلال 3 أعوام.