تواجه الأنهار في أوروبا شبح الجفاف أكثر من أي وقتٍ مضى، ما يعرض القارة لمخاطر اقتصادية ليس فقط ما يتعلق بإمدادات السلع الغذائية وإنما أيضاً شحن البضائع والصناعات ومكافحة تغير المناخ.
وبالفعل قبل أشهر قليلة في العام الجاري، أدى انخفاض مستويات المياه إلى تقييد الشحن على طول نهر الراين، أحد أهم الممرات المائية في أوروبا، ما تسبب في اضطرابات كبيرة حذر الاقتصاديون من أنها ستبطئ التعافي الاقتصادي لألمانيا التي توصف بقاطرة الاقتصاد في القارة.
وليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها قطاع الشحن مشاكل بسبب انخفاض مستويات المياه في الأنهار، فقد عانى القطاع من مشاكل مماثلة في عام 2018، وكذلك الحال خلال العام الماضي 2022، عندما أجبرت الانخفاضات الكبيرة في مستويات المياه الشركات على نقل البضائع من الأنهار، وهي خطوة معقدة لوجستياً ومكلفة، ما أثر على اقتصادات العديد من الدول.
ويذكر أن نهر الراين دائمًا ما كان ممراً ملاحياً موثوقاً لقرون، ما أدى إلى إنشاء الشركات الصناعية العملاقة على ضفتيه، لكن تلك الأيام اقتربت نهايتها.
ويسلك نهر الراين مساراً متعرجاً لمسافة تقارب 800 ميل (1280 كيلومتراً) من جبال الألب السويسرية، مجتازاً المعقل الصناعي الألماني، قبل أن يصب في بحر الشمال عند ميناء روتردام الهولندي. كما ينقل أكثر من 10% من التجارة السويسرية، ونحو طنين لكل مواطن ألماني كل عام.
وهكذا، فمع انحسار منسوب المياه باستمرار إلى مستويات تعيق الشحن بدءاً من أواخر الصيف وطوال الخريف بفعل الجفاف، تسارع الشركات التي تعتمد على أهم طريق تجاري في أوروبا بين الشمال والجنوب إلى التأقلم، ما يوضح مدى تأثير أزمة المناخ حتى على الاقتصادات الصناعية المتقدمة.
وبعد موجات الحر القاسية التي ضربت جنوبي أوروبا، بلغ منسوب المياه عند مدينة كاوب، وهي نقطة مسار أساسية تقع غرب فرانكفورت وسط غربي ألمانيا، في الصيف الحالي، مستويات تعني أن بعض السفن لن تتمكن إلا من حمل نصف حمولتها العادية تقريباً فقط.
ونهر الراين الحيوي في خطر حالياً، فقد صدر تحذير مبدئي في 2018، عندما بلغ منسوب مياه الراين أدنى مستوى مسجل له، وتوقف النقل عبر النهر، ما أدى إلى خفض الإنتاج الصناعي الألماني بمقدار 5 مليارات يورو.
ومنذ ذلك الحين، تقيدت التجارة المنقولة بوتيرة أكبر، ففي العام الماضي، سجلت ألمانيا أقل حجم للتجارة عبر الراين والممرات المائية الداخلية الأخرى منذ 1990 على الأقل، حسب "هيئة الإحصاءات الألمانية".
وليس الراين وحده الذي يتعرض لانخفاض في منسوب المياه، وإنما عدة أنهار رئيسية أخرى مهمة لحركة الشحن والصناعات على ضفافها، فدرجات الحرارة المرتفعة جعلت من مياه نهري "رون" و"غارون" في فرنسا دافئة لدرجة باتت لا تسمح بتبريد مفاعلات فرنسا النووية بشكل فعال، كذلك شهد نهر "بو" في إيطاليا انخفاضاً كبيراً في منسوب المياه، وبات غير كاف لري حقول الأرز.
وبالنسبة لنهر الدانوب، الذي يشق طريقه لنحو 1800 ميل (2880 كيلومتراً) بين وسط أوروبا والبحر الأسود، فإنه يجف هو الآخر، ما يعيق حركة تجارة الحبوب وغيرها.
ويحذر خبراء اقتصاد ومختصون في الموارد المائية من أن الاضطراب الحالي نذير لمزيد من الأزمات في المستقبل. إذ قال "ساندور نيميثي"، الباحث في جامعة غوتنبرغ السويدية، لصحيفة بوليتيكو الأميركية، إنه "إذا لم تعد مستويات المياه في الأنهار الرئيسية في أوروبا إلى مستويات كافية خلال إطار زمني معقول... فإننا بحاجة إلى التخلي عن تلك الممرات المائية".