نشر موقع "بلومبيرغ" الأمريكي مؤخرًا، تقريرا تحدث فيه عن عوامل هشاشة التجارة الدولية في 2023 التي ستكشف عن مدى تقادم نظام التجارة العالمي، في عصر تتراجع فيه أكبر دول العالم عن المبادئ التأسيسية للعولمة.
فقد أدت أزمة الإمدادات التي سببها الوباء وحرب روسيا مع أوكرانيا والصدع المتعمق في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى توطيد فكرة أن العالم يحتاج إلى شبكات تجارية أكثر مرونة.
وذكر الموقع، في تقريره، خمس طرق ستتحول بها التجارة العالمية في عام 2023:
أولًا: حرب بايدن التجارية
واصل "بايدن" الحرب التجارية التي خاضها سلفه عندما فرض قيودا على صادرات القطاعات الصناعية الرئيسية، وقدم دعما ضخما أخلّ بالتجارة العالمية، وأبقى التعريفات الجمركية على صادرات صينية تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
في المرحلة المقبلة، بحسب الموقع، من المرجح أن تتبع الولايات المتحدة استراتيجية ذات شقين، تتضمن العمل بصورة أسرع من خلال دعم الصناعات الأمريكية التي تخلق فرص عمل وإبطاء تقدم الصين، من خلال فرض المزيد من الضوابط القوية على الصادرات وزيادة الحواجز التجارية.
وفي حين أن هذه السياسات لن تفك تماما ارتباط الاقتصادين الأمريكي والصيني على المدى المتوسط، إلا أنها يمكن أن تعيد تشكيل العلاقة بطرق تزيد من أسعار السلع الاستهلاكية، وتقلل من الإنتاجية العالمية.
ثانيًا: التوترات عبر الأطلسي
ما يزال حلفاء أمريكا الأوروبيون - وخاصة ألمانيا وفرنسا - متشككين بشأن استراتيجية "بايدن" لاحتواء الصين، ويعبّرون عن إحباطهم من صعود السياسات الصناعية الأمريكية الحماية، مثل قانون خفض التضخم وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم.
وأفاد الموقع أن إيجاد حل لهذه الاختلافات سيكون أمرا حاسما للرؤية الاستراتيجية الأمريكية طويلة المدى لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولاستقرار العلاقة التجارية عبر الأطلسي التي تبلغ قيمتها 1.1 تريليون دولار.
ثالثًا: حرب الإعانات العالمية
لن يقف صناع السياسة في واشنطن مكتوفي الأيدي؛ لأن بكين تستخدم خزائنها الحكومية الضخمة لدعم القطاعات الصناعية الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، مثل تقنيات الطاقة النظيفة والمعادن الأرضية النادرة وأشباه الموصلات.
تقوم إدارة "بايدن" الآن بتنفيذ أكبر مبادرات الإنفاق الفيدرالي لتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة منذ عقود، وذلك بعد الموافقة في 2022 على حزمة إعانات بقيمة 437 مليار دولار تركز على المناخ، وبرنامج دعم لأشباه الموصلات بقيمة 52.7 مليار دولار.
وتعمل سياسة "بايدن" الصناعية، التي تحفز الشركات على نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة، على دفع الصين وأوروبا والاقتصادات الكبرى الأخرى إلى الاستجابة بالمثل، وهو ما قد يؤدي إلى سباق إعانات عالمية؛ الفائزون فيه هم الحكومات، والخاسرون هم اقتصادات العالم النامي التي تعاني من أعباء الديون المتزايدة.
رابعًا: غياب العمل متعدد الأطراف
من المتوقع أن هذا العام سيمثل اختبارا حاسما لأهمية منظمة التجارة العالمية وقواعدها، التي تحكم نظام التجارة العالمي البالغ 32 تريليون دولار.
ولفت الموقع إلى ما تقوله إدارة "بايدن" من أنها تريد المساعدة في إحياء منظمة التجارة العالمية، لكن في الوقت نفسه، ترفض الولايات المتحدة دون اكتراث شرعية المنظمة كحكم محايد للسياسات التجارية الأمريكية.
وفي غياب أي تغيير في السياسة، فإن قرار إدارة "بايدن" بتجاهل منظمة التجارة العالمية يمثل نقطة انعطاف مهمة، قد تنذر بالعودة إلى حقبة القوة فوق الحق التي تتبعها سياسات القوى العظمى.
خامسًا: العودة إلى التوحد
لفتت "بلومبيرغ" في نهاية التقرير أنه مع تعثر العمل متعدد الأطراف، سيواصل العالم الميل نحو حقبة جديدة من التكتلات التجارية المنفصلة والمترابطة بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
ومع تسارع هذا النمط، سيؤدي التوحد إلى تحسين الوصول إلى الأسواق وتقليل الحواجز التجارية وراء الحدود للدول المتكتلة، وفي الوقت نفسه سيزيد التكاليف وأوجه القصور للدول الأخرى.
وقد يؤدي هذا الاتجاه أيضا إلى خفض إجمالي الإنتاج العالمي بنسبة تصل إلى 5 في المئة، مما يترك العالم مكانا أفقر وأقل إنتاجية.