الحديث عن طباعة العملة لا يحمل طابعًا إيجابيًا بالنسبة لغالبية الدول، خصوصًا النامية أو الفقيرة منها، فهو يعني أن العملة تفقد قيمتها الشرائية مع حاجة الناس لكتلة نقدية أكبر يتوجب ضخها في السوق والمخاطرة بالدخول إلى متاهة التضخم. ينطبق الأمر ذاته على كافة عملات العالم تقريبًا ما عدا الدولار.
لماذا ما زلنا نتحدث عن طباعة النقود في عصر التحول الرقمي؟
يعتقد البعض أن العملات الفيزيائية تؤول إلى الانقراض، لكن من المتوقع أن تنمو سوق صك العملة أو طباعة الأموال 4% سنوياً لتصل إلى 15.65 مليار دولار في 2025.
وأدت عوامل مثل ارتفاع عدد آلات سحب النقود الـ ATMs وارتفاع عدد السكان، والحُزم التحفيزية التي تم منحها للأفراد وقت كورونا إلى ارتفاع الطلب على طباعة النقد أو الكاش ما يبقي الكاش ملكاً أو (cash is king).
وعلى الرغم من تزايد اعتماد الأفراد على وسائل الدفع الإلكتروني، فإن 6 من كل 10 معاملات الدفع تتم نقدا.
من جانبه، قال "عبد الله نايلي" مدير التسويق في شركة Crane Currency، إن هناك ارتفاعًا في أحجام النقد المتداول رغم تعظيم دور المدفوعات الرقمية، مشيرا إلى زيادة بنسبة 5% في طباعة النقد.
وأوضح "نايلي"، أن الثقة في الكاش تأتي من مخاوف حدوث حرب، أو حدوث أزمة أو تعطل كبير في الكهرباء.
طباعة الدولار:
يتوقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الطلب المحتمل على العملة الجديدة، ويضع طلبًا مع مكتب النقش والطباعة التابع لوزارة الخزانة، والذي يطبع العملة الأميركية ويتقاضى رسومًا مقابل تكلفة الإنتاج.
الجدير ذكره أنه تمت طباعة 13 تريليون دولار في أميركا العام الماضي، وتقدر الميزانية التشغيلية للعملة الأميركية التي ستطبع هذا العام تقدر 1.060 مليار دولار.
وتكلف طباعة الدولار الواحد 7.5 سنتات، بينما تكلف طباعة الورقة من فئة 10 دولارات حوالي12.4 سنتا، والورقة من فئة 100 دولار تكلف 17سنتا.
وفي ميزة خاصة بعملة الدولار، يمكننا القول إن الفرق بين القيمة الاسمية والتكلفة الحقيقية تعتبر أرباحاً تعود إلى البنك المركزي الأمريكي.
أما بالنسبة للعملات المعدنية، يتم تحديد الإنتاج السنوي بواسطة دار سك العملة الأميركية استنادا إلى الطلب الشهري من البنوك وبحسب توقعات سنوية للطلب.
وتشتري البنوك العملات المعدنية بالقيمة الاسمية من دار صك العملة.
لماذا فقط أمريكا هي التي تطبع الدولار وتربح من بيعه للعالم؟
نظريًا، يمكن لأي دولة في العالم تصدر عملتها الخاصة أن تقوم بهذه هذه الحركة اللطيفة، ولكنها حتمًا ستقود نفسها إلى هاوية التضخم الجامح الخارج عن نطاق السيطرة ومعدلات البطالة الهائلة... اسألوا المجر وتشيلي والأرجنتين وبوليفيا والصين، ومن قبلهم جميعًا ألمانيا في العشرينيات.
كل من لجأ إلى دعم وتحفيز اقتصاده بهذه الطريقة احترق، إلا الولايات المتحدة، والتي تلعب نفس اللعبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية دون أن تلسعها النار أو تواجه أي عواقب.
والسر هو سطوة الدولار الأمريكي أو "الامتياز باهظ الثمن" كما سماه وزير مالية فرنسا (ورئيسها لاحقا في النصف الثاني من السبعينات) "فاليريجيسكارديستان" في معرض انتقاده للوضع الخاص الذي تمتعت به الولايات المتحدة نتيجة مكانة الدولار في النظام النقدي العالمي.
الورقة الخضراء هي العملة التي تشكل الجزء الأكبر من احتياطيات جميع البنوك المركزية حول العالم، وتستخدمها الدول حين تريد دعم عملتها الخاصة في أسواق الصرف الأجنبي أو سداد ديونها الأجنبية. وهي أيضًا العملة المستخدمة في تسعير ودفع ثمن معظم السلع المتداولة في العالم، سواء المشروع منها مثل النفط والمعادن أو غير المشروع كالمخدرات والسلاح غير القانوني.
وفي الوقت ذاته، لا تحتفظ البنوك المركزية أو الحكومات بحيازاتها من الدولار متراصة داخل قبو تحت الأرض، بل يقوم أكثرهم باستخدام جزء كبير من هذه الأموال في شراء سندات الخزانة الأمريكية، وذلك لثلاثة أسباب: الأول هو أنها ذات جودة ائتمانية عالية، والثاني أنها تدفع فوائد، أما الثالث والأخير فهو أنها كثيفة السيولة ويمكن بيعها بسهولة.
الإقبال الكبير من قبل الجميع على شراء السندات الأمريكية يقود معدل الفائدة عليها إلى الانخفاض، مما يسمح للولايات المتحدة بإدارة عجز ميزانيتها وعجز ميزانها التجاري وتحفيز اقتصادها دون أن تتأثر قيمة عملتها سلبًا أو تعاني من معدل تضخم كبير.
هذه الآلية الفريدة هي التي تمكن الولايات المتحدة اليوم من المشي وسط النار دون أن تحترق. فاليوم، تتسابق الحكومات والمستثمرون حول العالم على شراء سندات الخزانة الأمريكية بحثًا عن ركن آمن يلجؤون إليه عند الأزمات.