يمر العلاج الجيني بمنعطف هام في الوقت الحالي بعد عقود من البحث الاستكشافي لتقنيات جديدة قوية تؤدي إلى زيادة هائلة في العلاجات الجينية الجديدة، ففي منتصف عام 2022، كان هناك أكثر من 2000 علاج جيني قيد التطوير في جميع أنحاء العالم تستهدف العشرات من الأمراض، بما في ذلك السرطان والأمراض العصبية والدم والمناعة والقلب والأوعية الدموية والأمراض المعدية.
وتُترجم هذه القائمة المتزايدة إلى فرص اقتصادية حيث من المتوقع أن يزداد سوق العلاج الجيني من 5.33 مليار دولار في عام 2022 إلى 19.88 مليار دولار بحلول عام 2027، وفق تقرير حديث لوكالة CNBC.
لكن الآمال الصحية والاقتصادية الإيجابية للعلاجات الجينية باتت أقل بسبب العوائق الكبيرة التي تحول دون الوصول إليها، من الناحية المالية.
أغلى الأدوية في العالم ولكن:
تعتبر العلاجات الجينية هي أغلى الأدوية في العالم، فعلى سبيل المثال، في عام 2022، تلقى العلاج الجيني لمرض beta thalassaemia، وهو اضطراب نادر في الدم، موافقة الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة بسعر متوقع قدره 2.8 مليون دولار مقابل جرعة لمرة واحدة. وبعد شهر واحد فقط، تم تسعير العلاج الجيني لاضطراب عصبي نادر بثلاثة ملايين دولار لكل جرعة.
وبينما أن الأسعار لا تزال مرتفعة في الوقت الحالي، من المتوقع أن تؤدي الابتكارات التكنولوجية والمنافسة بين الشركات إلى خفض التكاليف وتحسين الوصول إلى العلاجات الجينية في البلدان ذات الدخل المرتفع، لكن ليس هذا هو الحال بالنسبة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وترجع التكلفة الباهظة إلى أن المعدات المعقدة والخبراء والبيئات التنظيمية اللازمة لتطوير واختبار وإدارة العلاجات الجينية غير كافية أو غائبة إلى حد كبير في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وهذا جزئيًا هو السبب في أنه في أغسطس 2022، كان هناك ما يقرب من 1000 تجربة سريرية مفتوحة للعلاج الجيني على مستوى العالم، ومع ذلك فقد تم تطوع أقل من 5٪ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل (لا تشمل الصين)، مع أربع تجارب فقط في إفريقيا. في ظل هذا المسار الحالي، لن يصل العرض أبدًا إلى الطلب.
ما عدا الدول الغنية... العالم محروم من فوائد الطب الحديث:
من المؤكد حاليًا أن تقنيات الرعاية الصحية الجديدة غير مناسبة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وهو سبب منطقي طويل الأمد لاستبعاد غالبية العالم من فوائد الطب الحديث.
في الاتجاه المقابل، يجري حالياً تسليط الضوء على العديد من الأطباء في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا الذين عقدوا العزم على مواجهة النموذج الصحي العالمي السائد غير منتظرين لقوى السوق لجعل العلاجات الجينية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مجرد احتمال، بل يريدون ضمان وصوله بشكل حتمي إلى تلك الدول.
وتحدثت دراسات عن خمسة بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تسعى جاهدة إلى العلاجات الجينية، وهي أوغندا وتنزانيا وجنوب إفريقيا وتايلاند والهند، وبشكل جماعي، تستهدف هذه البلدان مجموعة واسعة من الأمراض، فيروس نقص المناعة البشرية، ومرض فقر الدم المنجلي، و beta thalassaemia، والناعور، والتهاب الكبد B، وأنواع معينة من السرطان.
كشف تحليل عن أن هذه الدول الخمس تحتاج للنظر إلى سبعة عناصر حاسمة للبنية التحتية اللازمة للدعم المستدام طويلة الأجل لاستكشاف العلاجات الجينية، وهي البحث والتطوير (R&D)، والمرافق الصحية، والتصنيع، والقوى العاملة، والمشاركة المجتمعية، والسياسة، والتنظيم والتمويل.
ويوضح باحثون أن هذه العناصر المعقدة والمترابطة توفر نافذة للحكومات التي تتطلع إلى بناء خرائط طريق للعلاج الجيني تتناسب مع واقعهم الاقتصادي والصحي والسياسي.
وسيستغرق تطوير واختبار واعتماد العلاجات الجينية المناسبة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل عقودًا، مما يجعل الوقت المناسب لبناء القدرات في تلك البلدان أولوية من الآن.
وسيتطلب تحقيق هذا الهدف بحثًا جديدًا ونماذج تمويلية تلبي الأوضاع منخفضة الموارد وغير مقيدة بنماذج تعظيم الربح. وقد يمكن تحقيق ذلك من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتزام الحكومات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والتعاون الدولي بقيادة مؤسسات مثل مبادرة العلاج الجيني العالمية.