لا تحتاج أن تكون خبيرًا بالاقتصاد حتى تعلم أن الذهب لطالما كان على مر التاريخ من أهم الملاذات الآمنة، ولكننا في السنوات الأخيرة، شاهدنا بعض التغييرات في سلوك الأسعار، تغيرات جعلتنا نتساءل: "من هو القائد الأول للمعدن الأصفر هل هو الدولار؟ أم التوترات العسكرية والحروب؟ أم الأزمات الاقتصادية والمالية؟ أم معدلات التضخم؟".
تناولت وكالة إعلامية شهيرة هذا الموضوع، وأبدت الاستغراب أيضًا أن أسعار الذهب تتراجع رغم أن العمليات العسكرية في أوكرانيا مستمرة، ولكن لا نرى من ذلك دعما لارتفاعات حتى لو كانت محدودة، وذلك عكس سلوك الذهب التاريخي مع الحروب السابقة، إذ كان يتلقى بعضًا من الدعم بسبب التوترات الجيوسياسية.
بالنسبة إلى الأزمات الاقتصادية، نرى اليوم حديثاً كبيراً عن ركود اقتصادي قادم أو حتى أن بعض المصارف العالمية الكبرى تعتبر أن أوروبا أصلاً تمر بركود في الوقت الحالي والسؤال هنا: ما موقف الذهب من كل ذلك؟
نظرة إلى الوراء:
إذا ألقينا نظرة على ما حدث في الأزمة العالمية السابقة (2008)، نرى أن الذهب هبط وكسر مستويات 1000 دولار وقت اندلاعها ولم يتصرف كملاذ آمن في البدايات بسبب صعود الدولار، لكنه عاد وبعد أشهر ودخل في موجة صاعدة استمرت سنوات مع تسجيل قمة كانت تاريخية عند مستويات 1921 دولارا في عام 2011.
أما بالنسبة إلى أزمة وباء كورونا أيضاً، فكان هناك سلوك مماثل في البدايات ثم ما لبث أن دخل في موجة صعود قوية أسفرت عن تسجيل مستوى قياسي جديد عند 2071 دولارا، ولكن أيضاً نرى أنه عاد وفقد مكاسب مهمة بحوالي 20 بالمئة من مستواه التاريخي.
اليوم، لدينا تضخم لم نشهده منذ 40 عاماً وفي بعض البلدان المتقدمة هو الأعلى تاريخياً، ورغم كل هذه العوامل لم يفعل المعدن الأصفر شيئاً إلى الآن في مواجهة غلاء الأسعار، رغم أنه يوصف بذلك في الدرجة الأولى، لا بل على العكس يستمر في تراجعاته والتضخم يقفز إلى مستويات 8 بالمئة في الولايات المتحدة.
والسؤال الأهم هو لماذا يحصل ذلك مع المعدن الأصفر؟
الجواب المباشر أن الدولار يقف بالمرصاد ويمنع الذهب من الاستفادة من التضخم والحروب والأزمات الاقتصادية ويدعم الدولار أيضاً ارتفاع العوائد على سندات الخزانة الأميركية.
وترفع أسعار الفائدة الأعلى أيضًا من تكلفة فرصة حيازة الذهب الذي لا يدر عائدا.
لذا فإن انخفاض الذهب الذي يحصل حاليًا ليس خسارةً في القيمة ولا هروبًا دائمًا من الملاذ الآمن الثمين، بل هو مؤقت إلى أن تتوقف رفوعات الفائدة. وحالما يقف العالم على شفى الركود، وتنعكس سياسات رفع الفائدة إلى سياسات معاكسة (تيسير نقدي ربما)، سنرى بريق الذهب يلمع مجددًا.