أفادت بيانات بلومبيرغ أن دول العالم تكبدت أكثر من تريليون دولار منذ بداية العام الجاري لحماية عملاتها من الانهيار في مواجهة بطش الدولار الذي قفز بنحو 15%.
يحدث ذلك فيما يسيطر القلق على الاقتصادات العالمية من استمرار نزيف احتياطيات النقد الأجنبي مع مواصلة العملة الأميركية الصعود في ظل استمرار البنك الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة.
أزمة وصلت إلى أعتاب الدول المتطورة والغنية:
لم تعد الشكوى من الدولار الجامح تقتصر على الدول الفقيرة وإنما تجاهر الاقتصادات الكبرى أيضا بالشكوى. فقد أنفقت الحكومات الآسيوية نحو 50 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية في سبتمبر/أيلول الماضي وحده، للدفاع عن عملاتها، ليرتفع إجمالي ما تكبدته منذ بداية العام إلى نحو 89 مليار دولار، وفق تقديرات لشركة "إكسانتي داتا" Exante Data، المتخصصة في تتبع تدفقات رأس المال العالمية.
وقالت الشركة، وفق ما نقلت وكالة "بلومبيرغ"، إن الدول الآسيوية الناشئة باستثناء الصين أنفقت ما يقرب من 30 مليار دولار في صورة بيع للدولار في السوق الفورية الشهر الماضي.
ويرتفع هذا الرقم إلى 50 مليار دولار مع تضمين اليابان، ليعد هذه الإنفاق هو الأعلى منذ مارس/آذار 2020 لحماية العملات الوطنية من بطش الدولار.
مخزون الاحتياطيات العالمية يتآكل:
قال "أليكس إيترا"، كبير المحللين الاستراتيجيين في "إكسانتي" إن "العملات تتعرض لضغوط في مواجهة أسعار الفائدة المرتفعة.. هناك درجة غير عادية من عدم اليقين بشأن أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة".
وبخلاف الاقتصادات الآسيوية، فاحتياطيات النقد الأجنبي في جميع أنحاء العالم آخذة في الانخفاض. فقد انخفض مخزون الاحتياطيات العالمية بأكثر من تريليون دولار، أو 8.9%، هذا العام إلى أقل من 12 تريليون دولار، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأت بلومبيرغ في تجميع البيانات في عام 2003.
ويُعتبر الدولار القوي جداً مشكلة الجميع تقريباً، لكنه التحدي الوحيد الذي لا يستطيع أسياد الاقتصاد العالمي مواجهته بشكل مباشر، وفق "بلومبيرغ".
وارتفعت العملة الأميركية 15% تقريباً هذا العام، وهي في طريقها لتحقيق أكبر مكاسب منذ أوائل الثمانينيات، فيما كانت الدول في كل أنحاء آسيا وأميركا اللاتينية، تستهلك احتياطياتها الأجنبية في محاولة منها لدعم عملاتها.
يكمن القلق الأكبر بالنسبة للدول الأضعف اقتصاديا، في أن حملة الاحتياطي الفيدرالي لكبح التضخم الجامح عن طريق رفع أسعار الفائدة الأميركية، وهي المحرك الرئيسي لقوة الدولار، لم تكتمل بعد.
أخبار غير مبشرة للعملات:
كل ذلك يعني أن الضغوط على العملات قد تزداد سوءاً، حيث تساعد مكاسب الدولار في احتواء أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، بينما تهدد بدفعها إلى الارتفاع في كل مكان آخر.
وفي واشنطن، حيث يعقد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اجتماعهما نصف السنوي، منذ منتصف الأسبوع الماضي وتستمر حتى غدا الأحد، سيطر الدولار القوي على محادثات غير علنية، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على الأمر، حيث طرح وزراء المالية الأمر بشكل مباشر مع صندوق النقد الدولي، ووزارة الخزانة الأميركية، ومجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي).
قالت مديرة صندوق النقد الدولي، "كريستينا جورجيفا"، الخميس الماضي خلال اجتماعات الصندوق والبنك الدولي: "تخيّلوا السيناريو الذي لا يكون فيه التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة لفترة طويلة من الزمن.. سيكون ذلك سيئاً للولايات المتحدة، وستكون له تأثيرات غير مباشرة أيضاً على بقية العالم".
وجهة النظر هذه، أكد عليها أيضاً محافظ البنك المركزي في جنوب أفريقيا "ليسيتجا كغانياغو"، إذ انخفض الراند الجنوب أفريقي إلى مستوى قياسي مقابل الدولار.
وفي ظل عدم وجود إجماع على اتخاذ إجراءات مباشرة للتعامل مع الدولار، تحركت بعض الدول بشكل منفرد. فقد تدخلت اليابان الشهر الماضي لدعم الين للمرة الأولى منذ عام 1998، حيث أدى ضعف الين المتجدد منذ ذلك الحين، إلى زيادة التكهنات بأن طوكيو قد تتحرك مرة أخرى.