ترغب أوروبا بتعزيز طريق تجاري يربطها بالصين دون الحاجة إلى المرور عبر روسيا، سعيًا لزيادة عزلة موسكو. وقد وجدت الدول الأوروبية ضالتها بالممر الأوسط، وهو خط تجاري يجمع بين الممرات البرية والبحرية والسكك الحديدية، القادرة على ربط أقصى الصين بقلب أوروبا.
وفي حال نجاح المساعي الأوروبية بهذا الصدد، سيعني ذلك التخلي عن الممر التجاري الشمالي، الذي يربط الصين بأوروبا ويمر عبر روسيا، إذ كان هذا المعبر الشمالي الخط التجاري المفضل للأوروبيين، إلى أن اندلعت الحرب في أوكرانيا.
أما الآن فتقود ألمانيا الجهود الأوروبية لتقوية البنية التحتية الخاصة بالطريق الأوسط، وتتطلع تركيا إلى ذلك نظرًا لأنها ستصبح بفضله شريان الحياة التجاري لأوروبا.
ما هو الممر الأوسط؟
يعتبر الممر الأوسط المعروف اختصارا بـ "TITR"، من بين 3 ممرات للتجارة العالمية بين الصين وأوروبا، ويبلغ طوله 4256 كيلومترا بين الطرق البرية والسكك الحديدية إضافة إلى 508 كيلومترات عبر البحر.
وينطلق هذا الممر من مدينة كاشغر الصينية، ثم قرغيزستان، ثم أوزبكستان، ثم إلى ميناء تركمانباشي في تركستان، ليتم نقل كل البضائع عبر حاويات إلى أذربيجان ومنها إلى جورجيا، ومنها إلى تركيا وتحديدا محطة قارص للسكك الحديدية ثم إلى إسطنبول أو الموانئ البحرية التركية، ومنها إلى أوروبا وبقية دول العالم.
ويعتبر هذا الممر من بين 3 ممرات أساسية تربط آسيا بأوروبا، الأول الشمالي الذي يمر عبر روسيا، والجنوبي الذي يعبر إيران أو عبر قناة السويس.
هل سيكون الممر الأوسط بديلا عن الشمالي؟
حسب وزارة النقل والبنية التحتية التركية فإن الممر الأوسط هو الأسرع مقارنة بالشمالي الذي يعبر من روسيا، ذلك أن قطار شحن ينطلق من الصين إلى أوروبا واختار الممر الأوسط يقطع 7 آلاف كيلومتر في 12 يوما مقارنة بمسافة 10 آلاف كيلومترات ومدة لا تقل عن 15 يوما في حال عبور الطريق الشمالية (أي عبر روسيا) أما إذا عبر الممر الجنوبي فإنه سيسافر مسافة 20 ألف كيلومتر ولن يصل إلى أوروبا إلا في مدة تتراوح بين 45 و60 يوما.
وقد ارتفع حجم الشحنات التي تمر عبر المعبر 3 أضعاف خلال هذه السنة ليصل إلى 845 ألف طن خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2022 مقارنة بحوالي 311 طنا خلال نفس الفترة من العام الماضي، مما يعني زيادة اعتماد التجارة العالمية على هذا الممر.
المستفيدون:
على رأس المستفيدين تأتي تركيا التي تعتبر من الدول الراعية والداعمة لهذا الممر، وهي المفاوض والمحاور الأساسي لكل الدول التي يعبر منها الممر بداية من الصين وصولا لأذربيجان. هذا الممر الذي سيجعلها نقطة الوصل الحقيقية بين آسيا وأوروبا في نقل البضائع.
ويعد استكمال خط سكة الحديد (باكو- تبليسي ـ كارس) الذي يربط أذربيجان بجورجيا وصولا إلى تركيا من أهم المشاريع التي تركز عليها تركيا، فمن المتوقع أن تصل قدرته الاستيعابية إلى 3 مليارات مسافر و17 مليون طن من البضائع سنويا.
أما أذربيجان فقررت ألا تضيع الفرصة بدورها، وتسعى حاليًا لاستغلال الوضع الحالي للتحول نحو ممر تجاري وطاقي حيوي عالمي.
وتقوم أذربيجان حاليا بتوسيع منطقة التجارة الحرة في بلدة تقع 70 كيلومترا جنوب العاصمة، كما تم بالفعل الانتهاء من تجديد وتوسيع ميناء باكو على مرحلتين الأولى انطلقت سنة 2012 والثانية سنة 2020، ويقع في الطرف الغربي من بحر قزوين، والذي سيكون نقطة الوصل بين كل الشحنات التي تصل من الصين إلى تركمانستان، وقد تم تصميم الميناء لنقل الحاويات والسلع من الشرق إلى الغرب.
ولتعزيز قوة هذا الممر، تخطط كل من أذربيجان وكازاخستان وجورجيا لتطوير طريق نقل جديد قادر على نقل 200 ألف حاوية سنويا. ولتسهيل مرور الشاحنات، إذ تعمل الدول الثلاث على وضع تعريفات موحدة لشركات الشحن المحلية وتسهيل عمل شركات النقل.
الأرباح التي ستجنيها الدول المنخرطة:
تتوقع الدول -التي تشارك في هذا الممر وفي مشاريع تطويره- أن تصل أرباحه السنوية إلى مليار دولار، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع خلال السنوات المقبلة مع زيادة الاعتماد عليه وتراجع الاعتماد على الممر الشمالي الذي يمر عبر روسيا.
وتشجع كل الظروف على الاعتماد على الممر الأوسط، خصوصا وأن العبور عبر السكك الحديدية الروسية على طول الطريق بين الصين وروسيا وأوروبا ارتفع سعره بحوالي النصف خلال سنة 2021 مقارنة بسنة 2020، كما أنه مع بداية السنة وحتى قبل اندلاع الحرب كان خط السكك الحديدية بين الصين وروسيا قد بلغ مستواه الأقصى ولم يعد بالإمكان زيادة حجم الحاويات التي تمر عبره.
آمال تركيا أبعد من خطوط التجارة... هل يعطيها الغرب الفرصة؟
بعد أيام قليلة من تعرّض خطي أنابيب "نورد ستريم" الرئيسيين الناقلين للغاز الروسي إلى أوروبا تحت بحر البلطيق لأضرار تسببت في تسرّب الغاز، جرى الإعلان، يوم السبت الماضي، عن بدء عمل خط أنابيب الغاز الذي يربط بين شبكتي اليونان وبلغاريا، ما يتيح للأخيرة الوصول إلى كميات أكبر من الغاز الأذربيجاني ويقلل من تأثير توقف الإمدادات الروسية.
كما بدأ الغاز يتدفق إلى بولندا من خط أنابيب البلطيق الجديد من النرويج عبر الدنمارك، صباح اليوم ذاته، لتأمين جزء من الاحتياجات بعيدا عن روسيا، في الوقت الذي بادرت تركيا إلى الظهور في المشهد، باعتبارها في قلب نقاط نقل الغاز إلى أوروبا، سواء من أذربيجان، أو بحر قزوين، أو الشرق الأوسط، أو شرق المتوسط.
وتتطلع تركيا إلى أن تتصدر بوابة العبور الرئيسة المخصصة لنقل الغاز إلى أوروبا من خلال مسارين، الأول يتعلق بخط أنابيب "تاناب" الذي يمثل البنية التحتية التركية في ممر الغاز الجنوبي، والثاني يتعلق بالبنية التحتية لشركة "بوتاش" المملوكة للدولة واحتياطياتها من الغاز.
لكن الخبير في قطاع الطاقة "سمير سعيفان"، رأى أن "الغرب لا يرغب في إعطاء تركيا الفرصة لتقود نقل الغاز من أواسط آسيا وإيران، أو حتى الغاز الروسي، رغم مؤشرات استحالة عودة العلاقات الأوروبية الروسية وحاجة القارة العجوز للغاز".
وأضاف، في حديثه لصحيفة "العربي الجديد": "لا أعتقد أنه سيجري منح تركيا هذا الدور، لاعتبارات سياسية قبل أن تكون اقتصادية".
ويشير سعيفان، إلى أن الأوربيين قد يستعينون مرحلياً بالترانزيت التركي، خاصة أن نقل الغاز يحتاج إلى بنى تحتية ولا وقت لدى أوروبا أو الدول المصدرة البديلة لروسيا لتوفير هذه البنى، خاصة وأن الأوروبيين على أعتاب شتاء يتخوف من أن يكون قاسياً.
ويضيف: "لذا دور تركيا قد يكون مرحلياً، لأنها تربط أوروبا بالدول الغنية بالغاز مثل أذربيجان وتركمانستان وإيران والعراق، عبر خطوط جاهزة مثل تاب وتاناب والسيل التركي".