قبيل منتصف ليلة رأس السنة لعام 2017، كان "نيل فيليبس"، المؤسس المشارك لشركة جلين بوينت Glen Point Capital، يرتب لصيد ثمين بقيمة 20 مليون دولار، عبر التلاعب بسعر صرف الراند الجنوب إفريقي أمام الدولار.
نفذ "فيليبس" هذه العملية بالتعاون مع الملياردير "جورج سوروس"، إذ أراد منه دفع سعر الصرف الدولار الأميركي مقابل الراند إلى أقل من 12.50 حتى يتمكن من تحقيق عائد بقيمة 20 مليون دولار من رهانه على عقود خيارات على العملة، وفقاً للائحة الاتهام الأميركية التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي.
واستغل الرجل جلسة تداول صاخبة في ليلة عيد الميلاد تلك، ظنًا منه أن الأمور ستكون أكثر تعقيدًا وستضيع حركته للتلاعب في وسط ازدحام أسواق التداول... وبالفعل استطاع الهرب بعيدًا عن الأنظار ونجحت خدعته، لكن أمره افتضح بالنهاية وتسبب بهزة في وول ستريت بأكملها حينما تم اعتقاله في إسبانيا بتهم عديدة.
وقد أحيت الحادثة المخاوف مجددًا وذكرّت الناس كيف قامت شركات وول ستريت، التي تنفذ تداولات يومية بقيمة 6.6 تريليون دولار في سوق العملات، لسنوات بتحريك أسعار الصرف، وأثارت تساؤلات حول كيفية تنفيذ التداولات المزعومة في المقام الأول.
من جانبها، قالت "روزا أبرانتيس ميتز"، الخبيرة الاقتصادية التي شاركت في رئاسة ممارسات مكافحة الاحتكار لمجموعة Brattle: "هذا النوع من السلوك يحدث للأسف أكثر مما نود رؤيته". وقالت إنه مع ذلك، ربما يكون فيليبس قادراً على تقديم دفاعات، وربما يجادل بأنه كان يقوم بصفقات عدائية، ولكنها ليست غير قانونية وللأسف فإن "إثبات التلاعب بالسوق صعب للغاية".
لماذا الراند الأفريقي دون غيره؟
يعتمد "فيليبس" استراتيجية معينة تركز على ما يسمى بالتداول الكلي، حيث يحاول المستثمرون الاستفادة من الاتجاهات الاقتصادية العالمية من خلال المراهنة على أسعار الفائدة والعملات، وتسمى "استراتيجية الماكرو".
يركز متداولو "الماكرو" بشكل أساسي على جنوب إفريقيا، أحد أكبر الاقتصادات في القارة والمكان الذي يمكن أن تؤدي فيه السياسات المتقلبة والفضائح إلى تأرجح الأسعار.
كما يعد الراند، خامس أكثر العملات المتداولة في الأسواق الناشئة في العالم، حيث بلغ متوسط حجم التداول اليومي في الأسواق العالمية 72 مليار دولار في عام 2019، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات كاملة، وفقاً لبنك التسويات الدولية. وهذا يتساوى مع الروبل الروسي وأكثر نشاطا من الريال البرازيلي والليرة تركيا.
تفاصيل عملية الاحتيال:
وجدت جنوب إفريقيا فرصة للانتعاش في عام 2017 حيث استعد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم لاختيار زعيم جديد. وتوقع فيليبس أن الراند سوف يرتفع بشكل كبير مقابل الدولار نتيجة انتخابات ديسمبر/ أيلول.
وللقيام برهانه، اشترى "فيليبس" ما يسمى بخيار العملات الأجنبية، وهو مشتق معقد. وعليه فإذا انخفض الدولار إلى أقل من 12.50 راند بحلول 2 يناير/ كانون الثاني 2018، فإن العقد سيدفع 20 مليون دولار.
وجاءت التوقعات كما رتب لها "فيليبس" وكانت ظروف البلد السياسية مبشرة وإيجابية، فارتفع الراند إلى أعلى مستوى في عامين - ومع ذلك لم يتجاوز عتبة 12.50 التي يحتاجها "فيليبس". وأشار المدعون إلى أن خياره على وشك الانتهاء.
وفي وقت متأخر من ليلة عيد الميلاد، أرسل فيليبس سلسلة من الرسائل إلى البنك تضمنت أوامر ببيع الدولار مقابل الراند حتى ينخفض السعر إلى أقل من 12.50. إذ قال: "أحتاجها للتداول عند الـ 50".
وبحلول الساعة 12:31 صباحاً، باع "فيليبس" 415 مليون دولار وكان السعر 12.505. وسأل موظف شركة نومورا المتواطئة: "كم تحتاج لكسر الخمسين؟" وجاء الرد "200 مليون أخرى على الأقل". وفي الساعة 12:44 صباحاً، مع وصول إجمالي قيمة المبيعات إلى 725 مليون دولار، انخفض السعر أخيراً إلى ما دون 12.50. وبعد عدة دقائق، كان المعدل 12.4975.