أنذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي "جيروم باول"، الشعب الأمريكي من "ألم" سيشعرون به نتيجة تشديد السياسة النقدية "لبعض الوقت"، مؤكدًا أن الاقتصاد سيحتاج إلى سياسة نقدية صارمة قبل أن يصبح التضخم تحت السيطرة.
ورجّح أن يتطلب خفض التضخم فترة دائمة من النمو، "وغالبًا سيتم اتخاذ إجراءات للتخفيف من ظروف سوق العمل. ومن شأن أسعار الفائدة المرتفعة والنمو البطيء وظروف سوق العمل، أن تؤدي إلى تراجع التضخم لكنها ستجلب بعض الألم للأسر والشركات".
وتابع أنّ "هذه هي التكاليف المؤسفة لخفض التضخم. لكن الفشل في استعادة استقرار الأسعار سيعني ألماً أكبر بكثير"، مشيراً إلى أنّ "السجل التاريخي يحذر بشدة من تخفيف السياسة (النقدية) قبل الأوان، ويجب أن نستمر في ذلك حتى يتم إنجاز المهمة".
وبالأساس يأتي الهدف من الزيادات المتتالية في معدلات الفائدة بواشنطن، لجعل الائتمان أكثر تكلفة لإبطاء الاستهلاك والاستثمار وفي نهاية المطاف تخفيف الضغط عن الأسعار.
لكن الألم الذي سيشعر به المواطن الأمريكي قد يصبح ضربة قاصمة بالنسبة لمواطن آخر في دولة مختلفة، خصوصًا بالنسبة للبلدان الفقيرة والنامية.
كيف ستتأثر المنطقة العربية بسياسة أمريكا المؤلمة؟
لا يمكن التعميم في هذا الصدد، فتداعيات رفع سعر الفائدة على الدولار ستختلف بشكل كبير بين الدول العربية.
بالنسبة لدول الخليج مثلًا، فإنها ستكون الأقل تأثراً، نظراً لأنها مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط، ومن احتياطياتها المالية الكبيرة، وارتباط سعر صرف عملاتها المباشر بالدولار.
ولضمان استمرار الحفاظ على ثبات أسعار صرف عملاتها تجاه الدولار، ترفع أغلب دول الخليج الفائدة على عملاتها بنفس معدل رفع سعر الفائدة على الدولار.
وتربط دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها بالدولار الأمريكي، باستثناء الكويت، التي تربط عملتها بسلة عملات من بينها الدولار، وتحافظ الدول الست على مواكبة قرارات الفيدرالي الأمريكي بخصوص أسعار الفائدة.
وفي الأغلب ستستطيع دول الخليج باستخدام أموال الفوائض النفطية تعويض النقص في السيولة الناجم عن السياسات الانكماشية، وبالتالي قد تكون من أقل دول العالم تأثراً برفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لبقية الدول العربية، وخاصة غير النفطية، حيث ترزح العديد من الدول العربية تحت طائلة الديون، ويعني ذلك أن رفع سعر الفائدة على الدولار سيؤدي لزيادة تكلفة الاقتراض لهذه الدول، وبالتالي زيادة أعباء الديون.
وتميل كثير من الدول ذات الحمل الكبير من الديون للحصول على قروض أخرى لتسديد قروضها السابقة، وسوف يصبح هذا أصعب عليها مع رفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي.
عمومًا، من المتوقع أن تعمد أغلب الدول العربية إلى رفع سعر الفائدة المحلية حتى لا تنصرف المدخرات من عملاتها المحلية إلى الدولار، ولكن هذا سيعني رفع تكلفة الاقتراض المحلي للحكومات، وكذلك تقليل نشاط الأسواق المتداعية أصلاً، ما يؤدي إلى تقليل النمو وزيادة البطالة.
في مصر مثلًا، من المتوقع أن يصل الأمر إلى طريق مسدود وتضطر الحكومة لتعويم الجنيه مجددًا. وتونس كذلك قد تتعرض لضغوط اقتصادية مدمرة علمًا أنها في وضع سيء مسبقًا.
أما السودان فقد يؤدي رفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي إلى وضعه في مأزق إضافي، إذ يعتبر السودان واحداً من أكبر دول العالم من حيث نسبة الديون لحجم الاقتصاد، حيث تبلغ مديونية الخرطوم الخارجية بحجم ديون 89 مليار دولار يعادل 284% من حجم الناتج المحلي السنوي.
ولكنْ هناك دول عربية أخرى أيضاً تعاني من مشكلات جراء تفاقم العجز المالي وتأثير الأزمة الأوكرانية، مثل الأردن والمغرب، وإن كانت الدولتان لديهما عملتان مستقرتان نسبياً، رغم أن رفع سعر الفائدة على الدولار سيشكل ضغطاً إضافياً عليهما.
بينما ستكون الدول العربية النفطية غير الخليجية مثل الجزائر والعراق وليبيا في وضع أفضل نسبياً بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز رغم أن هذه الدول لديها ديون ليست بقليلة ومشكلات سياسية واقتصادية.
الجدير بالذكر أنه في عام 2022، تجاوزت ديون حكومات الدول العربية 1.5 تريليون دولار. وكانت مصر صاحبة أكبر قيمة من الدين العام بـ409.5 مليار دولار، بينما بلغت نسبة الدين إلى حجم الاقتصاد بالبلاد 94%.
وكانت السعودية ثاني أكبر الدول العربية من حيث قيمة الدين العام بـ250.7 مليار دولار. وجاءت الإمارات ثالثاً بقيمة دين عام بلغت 158.9 مليار دولار. ذلك بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى عدم توفر البيانات المتعلقة بكل من لبنان وسوريا وليبيا والصومال.