لأول مرة في العالم، أطلقت ألمانيا خطا جديدا للسكك الحديدية يعمل بالوقود الهيدروجيني، وهو ما يشكل تقدما هامًا نحو التوقف عن استخدام الديزل في تشغيل القطارات، رغم التحديات التي يطرحها هذا الابتكار.
وسيحل الأسطول المؤلف من 14 قطارا، محل القطارات الحالية العاملة بالديزل على سكك يمتد طولها 100 كيلومتر تقريبا تربط بين مدن كوكسهافن وبريمرهافن وبريمرفورد وبوكستهود.
وهذا الأمر يحمل أنباءً إيجابية لألمانيا المحتاجة لتوفير كل قطرة من الوقود، بسبب الظروف الجيوسياسية المعقدة التي تمر بها المنقطة، فإذا تم توسيع المشروع واستخدامه في نطاق أكبر سيمكن اعتباره حينها حجر الأساس للانتقال إلى الطاقة الهيدروجينية الحلم في أوروبا.
إلى جانب ذلك فهذا المشروع يعتبر أيضًا إنجازًا بالنسبة لأنصار البيئة بسبب التخلص من انبعاثات الكربون المضرة التي يتسبب بها وقود الديزل في القطارات.
وقال مدير عام شركة "ألستوم" التي قدمت القطارات لألمانيا آنري بوبار-لافارج: "نحن فخورون جدا بقدرتنا على استخدام هذه التكنولوجيا في المجال التجاري، في إطار سابقة عالمية".
حيث أشارت الصحف ووسائل الإعلام التي غطت الخبر إلى أن الأسطول الجديد الذي كلّف 93 مليون يورو سيُجنّب إنتاج "4400 طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام".
امتداد على طول أوروبا:
وقعت الشركة الفرنسية التي زودت ألمانيا بالقطارات أربعة عقود من أجل توفير عشرات القطارات بالهيدروجين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، في غياب أي مؤشر على تراجع الطلب.
ووفقًا لكلام مدير المشروع أنه في ألمانيا وحدها، "قد يتم استبدال بين 2500 و3000 قطار ديزل بقطارات هيدروجين".
ويؤكد "ألكساندر شاربانتييه"، الخبير في السكك الحديدية في شركة "رولان بيرجيه" للاستشارات الإدارية، أنه "بحلول العام 2035، قد يعمل بين 15 و20 بالمئة من السوق الأوروبي الإقليمي بالهيدروجين".
وقطارات الهيدروجين مناسبة جدا للخطوط الصغيرة في المناطق حيث تكلفة الانتقال إلى الكهرباء أعلى من الربحية التي يؤمنها الخط.
وتحصل في هذه القطارات عملية مزج الهيدروجين والأكسيجين من الهواء المحيط، بفضل خلية وقود مثبتة في السقف. وتنتج هذه العملية التيار الكهربائي اللازم لتشغيل القطار.
ودخل أيضا منافسو "ألستوم" السباق للعمل على مشاريع مشابهة. كشفت شركة سيمنز الألمانية عن نموذج أولي لقطار "دويتشه بان" في مايو/ أيار الماضي، بهدف بدء تشغيله اعتبارا من العام 2024.
تحديات ومتاعب أمام هذه المشاريع:
لكن رغم الآفاق الجذابة التي تطرحها هذه الشركات، "هناك عوائق فعلية" تقف أمام هذه المشاريع، إذ أن قطاع النقل بأسره، أكان بريا أم جويا، بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة، يعول على تكنولوجيا استخدام الهيدروجين لتخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتبقى البنى التحتية المناسبة لاستيعاب تقنيات الهيدروجين في ألمانيا - وفي سائر أنحاء أوروبا - غير كافية، رغم إعلان برلين في العام 2020 عن خطة بقيمة سبع مليارات يورو لتُصبح الرائدة في مجال الهيدروجين، وتتطلب استثمارات هائلة.
ويوضح "ألكساندر شاربانتييه"، الخبير في السكك الحديدية قائلًا: "لهذا السبب، لا نتوقع أن يحصل استبدال قطارات الديزل بقطارات هيدروجين بنسبة 100 بالمئة".
وتصنيع الهيدروجين قد يتطلب تفاعلات كيميائية تستخدم الكربون. لذلك، يعتبر الخبراء أن "الهيدروجين الأخضر" وحده، والذي يُصنّع من خلال طاقات متجددة، مستدام.
وتوجد طرق أخرى لتصنيع الهيدروجين شائعة أكثر، لكنها مصنوعة من الوقود الأحفوري وبالتالي تتسبب بانبعاث الغازات الدفيئة. إذ يشتق الهيدروجين بنسبة 95 بالمئة من تحويل المواد الأحفورية التي يأتي نصفها تقريبا من الغاز الطبيعي.
غير أن أوروبا تواجه بالأساس ضغوطا في تخزين الغاز الطبيعي الروسي، على خلفية المواقف الأوروبية حيال موسكو بسبب "العملية العسكرية" في أوكرانيا.
ويقول "شاربانتييه": "على القادة السياسيين أن يقرروا أي قطاعات ستُعطى الأولوية عند تحديد وجهة الهيدروجين".
ومن أجل تلبية حاجاتها، ستلجأ ألمانيا إلى كندا لشراء الهيدروجين. حيث ووقعت برلين الثلاثاء الماضي اتفاقا مع تورونتو لاستيراد كميات كبيرة من الهيدروجين المتجدد المصنوع في كندا اعتبارا من العام 2025.