بالنسبة لنا كأفراد، قد يكون من الغريب الانكباب على شراء الذهب حاليًا بينما يتجه العالم إلى سياسة نقدية متشددة عن طريق رفع الفائدة، مما يدعم الدولار ويهوي بالسلع الأخرى وعلى رأسها الذهب.
لكن يبدو أن الدول تفكر بشكل مغاير لما يفكر به الأفراد، حيث تظهر البيانات عمليات شراء قوية استهدفت المعدن الثمين خلال الأشهر الـ 6 الماضية، من طرف العديد من البنوك المركزية التي يقول الخبراء إنها "تتحوط للمجهول".
فمنذ بداية العام وحتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وسعت البنوك المركزية حول العالم حيازاتها من الذهب بمقدار 270 طناً.
وفي تعليقٍ على هذه البيانات، لخص محافظ البنك الوطني البولندي "آدم غلابينسكي"، سبب احتفاظ البنوك المركزية بالذهب، قائلاً: "الذهب هو أكثر الأصول الاحتياطية أماناً: فهو ينوع المخاطر الجيوسياسية ويعد مرساة الثقة، خاصة في أوقات التوتر والأزمات".
وقال متحدث باسم البنك المركزي المجري إن الذهب يزيد الاستقرار المالي ويعزز ثقة السوق.
لكن هذه التصريحات ذات اللغة الدبلوماسية لم تشف فضول الكثير من المراقبين الذين فسروا هرع بنوك العالم إلى شراء الذهب بأنه توقع أو تخوف من حروب أخرى قد تندلع إلى جانب حرب أوكرانيا.
وكان البنك المركزي البولندي أحد أكبر المشترين في السنوات الأخيرة، إلى جانب المجر، وكازاخستان، وأوزبكستان، وتركيا، والهند، وفقاً لما ذكره موقع " schiffgold".
أكبر 20 دولة تكتنز الذهب في العالم:
- الولايات المتحدة - 8.133.5 طن
- ألمانيا - 3355.1 طن
- إيطاليا - 2.451.8 طن
- فرنسا - 2436.6 طن
- روسيا - 2298.5 طن
- الصين - 1948.3 طن
- سويسرا - 1040.0 طن
- اليابان - 846.0 طن
- الهند - 768.8 طن
- هولندا - 612.5 طن
- تركيا - 457.7 طن
- تايوان - 423.6 طن
- كازاخستان - 383.9 طن
- البرتغال - 382.6 طن
- أوزبكستان - 363.9 طن
- السعودية - 323.1 طن
- المملكة المتحدة - 310.3 طن
- لبنان - 286.8 طن
- إسبانيا - 281.6 طن
- النمسا - 280.0 طن
كما يمتلك صندوق النقد الدولي 2814.0 طن من الذهب، وهو ما كان سيضعه في المرتبة الثالثة في العالم إذا تم اعتباره دولة. فيما يمتلك البنك المركزي الأوروبي 504.8 طن من الذهب، ليحتل المرتبة 12 بين الدول.
ما فائدة شراء كميات ضخمة من الذهب في هذه الظروف الاقتصادية العصيبة؟
يعتبر الذهب حالياً في الدرجة الأولى على أنه وسيلة للتحوط، ويسارع المستثمرون لشرائه بكميات كبيرة عندما تشهد بلادهم مستويات عالية من التضخم أو مع اضطراب أسواق الأسهم بفضل قدرته العالية على الاحتفاظ بالقيمة كونه أحد المعادن النادرة.
يقول المركزي الهولندي في أحد تقاريره: "نحن نثق بالذهب، وهو يمنحنا شعور بالأمان، فلو انهار النظام المالي للدولة بأكمله سيكون احتياطي الذهب فرصة للبدء من جديد". ووصف الذهب في هذا السياق بأنه "منارة للثقة".
ترتبط قيمة عملة الدولة بقوة بصادراتها ووارداتها، فإذا تجاوزت قيمة واردات البلاد صادراتها سيشكل ذلك ضغطًا هبوطيًا على عملتها، والعكس بالعكس. من هذا المنطلق فإن أسعار الذهب العالمية تؤثر على البلدان المصدرة والمستوردة.
بالتالي، فإن البلد الذي يصدر الذهب سيشهد قوة في قيمة عملته عندما ترتفع أسعار المعدن الثمين، لأن ذلك يزيد القيمة الإجمالية لصادراته ويمكن أن يخلق فائضاً تجارياً لديه ويعوض العجز.
أما البلدان التي تشتري الذهب، تطبع المزيد من العملة لهذه المهمة وقد تخاطر بارتفاع نسب التضخم لهذا السبب. لكنها إن أحسنت استخدام أوراق اللعبة في وقتها الصحيح فسيكون اكتناز الذهب بمثابة حاجز أمان متين لاقتصادها وعملتها في أوقات الأزمات، فالدول تتعامل مع الذهب بشكل شبيه لما يفعله أي تاجر عادي، تحاول الشراء عند الوفرة والرخص، وتبيعه عندما يعلو ثمنه وتزيد حاجتها إليها.
وهذا ينقلنا للنقطة الثانية، أن أحد فوائد الذهب الرئيسية عدا عن كونه تحوطاً من التضخم، أنه يمكن أن يكون درع أمام تدهور قيمة العملة للدولة التي تمتلكه. ونرى مثالاً على ذلك تركيا والهند اللتان تحاولان اللجوء إلى الذهب لإسناد عملتيهما على أرضية اقتصادية متينة.