لم يكد اليورو يستيقظ من كابوس التعادل مع الدولار، حتى وجدت دول أوروبا عملتها الموحدة أمام تحدٍ آخر، فيما يعتبره البعض على أنه "انتقام روسي" خصوصًا أن الروبل الروسي قد أظهر أداءً أفضل من المتوقع بالنسبة لدولة منخرطة بالحرب ولا تعادل القوى الاقتصادية العظمى للاتحاد الأوروبي.
وحاليًا، يتزايد تشاؤم المستثمرين حيال اليورو ليتخطى مستويات عام 2020 الذي كان كابوسًا لأوروبا بسبب تداعيات كوفيد-19، ويخيم التشاؤم على منطقة اليورو مدفوعاً بالقلق بشأن الوضع الاقتصادي المتدهور في أوروبا وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وفقاً لبنك "نيويورك ميلون".
المراهنات ضد اليورو على قدم وساق... ويبدو أن أصحابها لن يعودوا خائبين:
على عكس ما كان عليه الحال في أيام انتشار الجائحة، عندما انتهى الأمر بمن كانوا يراهنون على هبوط اليورو بتكبد الخسائر عندما صعدت العملة خلال الانتعاش الاقتصادي العالمي، يبدو أن المستثمرين في المرحلة الحالية "كانوا يتخذون قراراً صحيحاً بالرهان على هبوط اليورو"، من وجهة نظر الاستراتيجي الاقتصادي المخضرم "دانيال تينينغوزر".
وعلى الرغم من أن التحيّز تجاه البيع ليس بالأمر الجديد، إلا أن مداه هو ما يثير القلق. وفقاً لـ"نيويورك مينون". حيث يحذر "تينينغوزر" من موجة بيع قوية تنتظر اليورو في مستويات معينة وأمام جميع العملات بما في ذلك الدولار والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري.
وقد استشهد الخبير ببيانات وسجلات دقيقة، كلها تجمع على مضاربة قوية ستتم ضد العملة الأوروبية التي تفقد ثقة المتداولين يومًا بعد الآخر.
هل تطلق روسيا رصاصة الرحمة وتكمل سيناريو الانتقام؟
صدقوا أو لا تصدقوا قد يكون اليورو حاليًا في أفضل حالاته مقارنة مع ما قد يحصل قريبًا، فطالما أن فصل الشتاء لم يأت بعد ولم تواجه القارة العجوز موجات الصقيع التي تستنفد بل تمتص موارد الطاقة. وإذا رغبت روسيا بالانتقام، وقامت بضربتها الحاسمة في ذلك الوقت، لن تكون الأمور على ما يرام لليورو ودول اليورو على الإطلاق.
يقول المختص في العملة الدكتور "كميل الساري"، في حديثه لوكالة "الجزيرة": "أتوقع هبوط اليورو في الشهور المقبلة، لأننا في بداية أزمة إمدادات الغاز، ولأن الدول الأوروبية حاليا لديها احتياطي كافٍ من الغاز في الصيف، لكن مع دخول الخريف والشتاء وتضاعف استهلاك الغاز، فإن الوضع سيتأزم أكثر وبالتالي اليورو سيهبط أكثر، وهذا الارتفاع الكبير في النفط والغاز مضر للمستهلك الأوروبي، خاصة على الشركات الأوروبية، وهذا ما يعزز التضخم ويفاقم الأزمة أكثر".
ويشدد الخبير الاقتصادي المختص في العملة على أن آفاق اليورو في المستقبل "غامضة وسوداوية" ما لم يتدخل البنك المركزي الأوروبي أو الفدرالي الأميركي، لأن قوة الدولار راجعة بالأساس إلى قوة تدخل البنك المركزي الأميركي، عكس البنك المركزي الأوروبي الذي لا يتدخل كثيرا في اليورو وبالتالي نجده يتعرض للمشاكل والهبوط.
اليورو يعيش أيامًا سيئة في 2022:
انخفض اليورو هذا العام وسط تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، مما ساعد على رفع أسعار الطاقة والغذاء بالإضافة إلى إثارة مخاوف جيوسياسية أوسع. ومع إضافة الجفاف إلى هذا المزيج، تصاعد التضخم بشكل كبير.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك أيضاً مخاوف بشأن النمو، مما يحتمل أن يعيق قدرة البنك المركزي الأوروبي على رفع أسعار الفائدة أسرع من نظرائه العالميين ويثبط شهية المستثمرين للأصول في المنطقة، وبالتالي طلب أقل على اليورو، وإذا انخفض الطلب هبط السعر.
وقد انخفض اليورو بالفعل إلى أدنى مستوى عند 99.52 سنت أميركي الشهر الماضي، مخترقاً التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى منذ عقدين.
جزء كبير من الذنب (إن صح التعبير) يتحمله الدولار القوي. حيث ساعد مزيج من معدلات الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة والتدفقات الباحثة عن الملاذ الآمن على دعم تفوق العملة الخضراء أمام كل شيء تقريباً هذا العام، كما أن أداء بعض العملات مثل الين والجنيه الإسترليني كان أسوأ من أداء اليورو.