يتردد مصطلح القدرة الشرائية في مقالات الأخبار وفي الأحاديث الاقتصادية كثيرًا، فكثيرًا ما يقال إن القدرة الشرائية للعملة كذا منخفضة، ويعتقد الكثير من الناس خطئًا أن ذلك يساوي انخفاض سعر صرف العملة مقابل الدولار.
وفي سوريا على الأخص، يجري الحديث دائمًا عن انخفاض مستمر في القدرة الشرائية للناس، فعلى الرغم من أن التغير الذي يطرأ على أسعار الصرف محدود أو بطيء، إلا أن وتيرة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين تسير بشكل أسرع بكثير. لدرجة أن الخبراء يقدرون أن سعر الصرف العادل الذي يعبّر بالفعل عن القدرة الشرائية لليرة السورية يساوي ضعف سعر الصرف الحالي على الأقل.
ما هي القدرة الشرائية وهل يفهم الناس هذا المصطلح بشكل صحيح؟
يشرح لنا الخبراء، أن القدرة الشرائية هي مصطلح يستعمل دوماً للتعبير عن حجم الاقتصاد الوطني ومدى قدرة الأفراد على التكيف مع مؤشراته.
مثلًا: عندما تكون القدرة الشرائية للعملة الوطنية مرتفعة، يعني أنّ المواطنين أو المستهلكين، يعيشون في بحبوحة اقتصادية. ولكن عندما تنخفض هذه القدرة الشرائية فهذا يعني أنّ ثمة أزمة اقتصادية على الأبواب.
وهكذا فيقاس التطور الاقتصادي في بلد ما عادةً بالاستناد إلى تطور مستوى معيشة سكان هذا البلد، والذي يشمل الأجر مع قيمته الحقيقية والخدمات العامة المختلفة من تعليم وصحة وسكن وغيرها.
كما يتم قياس التطور الاقتصادي من خلال أرقام الدخل القومي التي يمكن لها أن تحدد القدرة الشرائية للمواطنين، وذلك من خلال قياس الناتج المحلي ربطاً بعدد السكان.
ويحدد القدرة الشرائية للأفراد نصيب الفرد من إجمالي الدخل المُتاح داخل البلد، كالأجور والفوائد الأرباح، بالإضافة إلى المستوى العام للأسعار.
أخيرًا، إذا أردنا صياغة الأمر بتعريف علمي، فنقول إن القدرة الشرائية هي مقدار السلع والخدمات، أو كميتها، التي يمكن شراؤها من خلال كمية محددة من النقود.
لماذا تنخفض القدرة الشرائية وبماذا تتأثر؟
ترتبط القدرة الشرائية للمواطنين بالعديد من العوامل، أهمها سعر صرف العملة ومعدل التضخم في البلاد. فكلما ارتفع معدل التضخم، قل عدد السلع والخدمات التي يمكن أن تشتريها الوحدة النقدية من العملة، وكلما ارتفع سعر العملة، زادت القدرة الشرائية، والعكس بالعكس.
يعود ضعف القدرة الشرائية بالأصل إلى سببين: الأول سبب محلي مستمر، وهو انخفاض مستوى الدخل العام للمواطنين، والثاني خارجي وطارئ وهو الأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار سلع أساسية عالمياً.
وفي غالب الأحيان، تنخفض القوة الشرائية للنقود في ظل استخدام العملة النقدية الورقية عند قيام الدولة بطبع المزيد من العملات النقدية الورقية وإنفاقها على مجالات غير إنتاجية (استهلاكية).
وهذا الإنفاق الاستهلاكي للدولة يمثل زيادة في الدخل النقدي من دون أن يقابل ذلك أي زيادة في إنتاج السلع مما يتسبب في ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات ويؤدي إلى التضخم.
في المقابل، فإنّ تقوية العملة الوطنية ورفع قيمتها سيؤديان تلقائياً إلى تحسن القدرة الشرائية للمواطنين. وقد يحصل ذلك أيضاً من خلال ضخّ قروض استهلاكية في شرايين الاقتصاد تؤدي إلى زيادة السيولة بين أيدي المواطنين وبالتالي تحسّن قدراتهم الشرائية وتمكينهم من شراء الحاجات الأساسية وفق مستوى الراتب الذي يتقاضونه، شرط ضبط مستويات التضخم المحققة.
لماذا تنخفض القدرة الشرائية في سوريا بشكل أسرع من انخفاض سعر صرف الليرة؟
لفترة قريبة كان سعر صرف الليرة السورية يعبر نسبيًا عن أداء الاقتصاد وصحته. لكن إجراءات الحكومة القمعية تجاه الأسواق والصرافين، ومحاولتها المستمرة لاحتكار سوق الحوالات والاستفادة منه عن طريق فرض أسعارها الخاصة لبيع وشراء الدولار، والحملات الأمنية والتهديدات وغيرها، كل ذلك أدى بالنتيجة إلى أن يفقد مؤشر سعر صرف الليرة مقابل الدولار قدرته على التعبير عن صحة وسلامة أداء الاقتصاد.
يمكن تشبيه الأمر بمقياس الحرارة المتعطل، إذ يمكن أن يُظهر لك المؤشر أن المريض في وضع صحي ولا يعاني من أي حمى، بينما أنه في حالة مزرية من شدة المرض ويبان التعب والإعياء عليه بنظرة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة لا تتردد بزيادة الدين الداخلي، وضخ المزيد من الأموال في الأسواق عن طريق دفع المليارات كرواتب لوظائف حكومية سلبية لا تقدم أي إنتاجية حقيقية لصالح الاقتصاد، بدلًا من انتهاج سياسة اقتصادية بنّاءة تركز على الإنتاج لا على الاستهلاك.