ربما تكون الصورة النمطية التي ترتسم في أذهان العديد من سكان الدول النامية ذات الاقتصادات المتواضعة، أن تحسن قيمة العملة يدل على صحة وسلامة اقتصاد البلد. لكن ذلك لا ينطبق عندما تكون الكرة في ملعب الكبار، فأمريكا على سبيل المثال تعاني من أزمة اقتصادية تاريخية رغم أن الدولار في أحسن أحواله منذ عقود.
ويبدو أن الشركات الأمريكية هي المتضرر الأكبر من هذه الأزمة التي خلقها الدولار القوي، حيث تسبب ارتفاع قيمة الدولار إلى أعلى مستوى له منذ عام 2002 بأن تتكبد الشركات الأميركية خسائر بمليارات الدولارات خلال منتصف هذا العام فقط.
وبحسب شركة التكنولوجيا المالية Kyriba فمن المتوقع خسارة الشركات في أميركا الشمالية ما يقارب 40 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، بالمقارنة مع ما يقارب 8 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي في ظل التقلبات الحادة في عملية صرف العملات الأجنبية مقابل الدولار.
وهذا يعني أن الدولار القوي تسبب بضرر أكبر وأزمة أشد مما تسببت بها أزمة كورونا بكل ثقلها، ولو أن البعض يعتبر ما حدث حاليًا هو من الآثار الجانبية لفترة الوباء، لكن الخبراء يؤكدون أن الأمور سارت بالتأكيد عكس المتوقع، وأن الحرب الأوكرانية لها دور أكبر.
وأوضحت صحيفة Financial Times أن إيرادات الشركات تتأثر بشكل كبير بسبب انخفاض قيمة أرباحها من الخارج في ظل ارتفاع الدولار إضافة إلى تراجع القدرة التنافسية لمنتجاتها مع المنتجات المحلية بسبب فرق قيمة العملات.
الجدير بالذكر أن الدولار هذا العام كان قد ارتفع بنسبة 9% تقريبًا، وذلك مدفوعا بارتفاع معدلات الفائدة ووصول عوائد السندات المحلية لمستويات قياسية، حيث اضطر الفدرالي للجوء لسياسة متشددة سعيا للحد من ارتفاع الأسعار؛ خاصة في ظل وصول التضخم في أميركا لأعلى مستوى في 4 عقود.
ويذكر أيضًا أن شركة "ميكروسوفت" الغنية عن التعريف، قامت بخفض توقعات إيراداتها للربع الأخير من العام بمقدار 460 مليون دولار بسبب تقلبات أسعار العملات. لتنضم إليها العديد من الشركات الكبرى مثل Salesforce والتي وصفت ما يحصل في سوق العملات بغير المسبوق.
وفي هذه الأثناء زادت توقعات الخبراء والمؤسسات المالية بأن يرفع مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) معدلات الفائدة بمقدار 75 نقطة في اجتماعاته التي تبدأ اليوم الثلاثاء وتنتهي غداً الأربعاء، وهو ما انعكس سريعاً على أداء أسواق الأسهم والعملات والذهب.
ووفقاً لوكالة رويترز، في تقرير لها، فقد قفزت التوقعات، برفع مجلس الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس غداً الأربعاء إلى 96% من 30% في وقت سابق خلال اليوم. وسيكون رفع الفائدة 75 نقطة أساس هو الأكبر منذ عام 1994.
وتوقع بنك "جيه بي مورغان" الأميركي رفع معدل الفائدة بنسبة 0.75%، في أحدث تقرير له، وفقاً لوكالة "الأناضول".