لطالما كانت هجرة الأطباء والكفاءات العلمية المعتبرة مشكلة خطيرة يعاني منها المجتمع السوري، هذه المشكلة التي تتفاقم بالتدريج قد ينتج عنها ما لا تحمد عقباه في المستقبل القريب. فالرواتب في البلد قليلة، وفرص العمل للأطباء في أي دولة أخرى ستكون أفضل من سوريا، مما يجعل البقاء في البلد بالنسبة لغالبية الأطباء ضربًا من الجنون، إلا لو كان لأسبابٍ إنسانية أو أخلاقية.
وكان قد كشف نقيب أطباء ريف دمشق "خالد موسى"، عن وجود هجرة للأطباء السوريين إلى موريتانيا والصومال والسودان واليمن، لما توفره من أجور عالية وتسهيلات، إضافة إلى استقطاب من قبل دول أخرى ضمن مشروع وصفه بـ "الخطير".
وبيّن "موسى" في لقاء له مع إذاعة "ميلودي إف أم"، أن الأجور التي يتقاضاها الطبيب في الدول المُستقطِبة، تتراوح من 1200 دولار إلى 3000 دولاراً، مدعيًا أن التسهيلات التي تُمنح للطبيب السوري من بعض الدول والأوربية سواء للهجرة الشرعية أو غير الشرعية، "تندرج تحت مشروع خطير لتفريغ الكوادر من البلد"، على حد قوله.
وأشار إلى كثرة الطلب الخارجي على اختصاصات معينة، مثل الجراحات (العامة والعظمية والنسائية والتجميل) والطبيبات الإناث في دول الخليج، كاشفاً عن وجود حالات خداع، بقضية العقود والرواتب.
لمنع تفاقم هذه المشكلة، اقترح عضو مجلس الشعب "بسام محمد"، زيادة عدد الأطباء المتخرجين، طالما أنه ليس بالإمكان تقديم مغريات مادية للأطباء الحاليين للحد من هجرتهم.
واستشهد العضو في نقابة الأطباء "محمد"، أثناء مداخلته في مجلس الشعب بواقع الصيادلة، مبيناً أن البلاد لم تشهد نقصاً في هذا الاختصاص رغم الأزمة، لأن هنالك 22 كلية صيدلة تخرّج سنوياً المئات من الصيادلة.
وأضاف قائلًا: "دعونا على الأقل نزيد عدد الأطباء المتخرجين سواء من خلال زيادة عدد المقبولين في الكليات الحكومية أو قبول طلاب بمعدلات منخفضة قليلا لدراسة الطب، بشرط الالتزام بالعمل لسنوات معينة في البلد أو من خلال زيادة عدد الكليات الطبية الخاصة أسوة بكليات الصيدلة".
وذكر "محمد" أنه سبق وتقدم بمذكرة خطية إلى وزارة التعليم عبر رئيس المجلس حول زيادة عدد الكليات الطبية الخاصة، فجاء الرد يتضمن شرحاً للواقع وللقوانين، ولم يجب عن السؤال الجوهري الذي تضمنته تلك المذكرة.
وكان المقترح أن يتم تطبيق اتفاق أو تعاقد أو شراكة بين الجامعات الخاصة التي تريد تخريج طلاب من الكليات الطبية والمشافي الحكومية المطلوبة للتدريب، وهذا سيؤمن تخريج عدد أكبر من الأطباء للحد من أثر الهجرة مستقبلا.
وتابع، أنه في الوقت ذاته ستدفع هذه الجامعات أموالا مهمة للمشافي الحكومية لقاء تدريب طلابها، مما سينعكس إيجاباً على الواقع الصحي حاليا وفي المستقبل. إلا ان وزارة التعليم تشترط بإصرار من أجل تطبيق هذا القانون على أنه يجب أن تكون المشافي التي يتم تدريب الطلاب ضمنها هي ملك حصري للجامعة.
وبين "محمد"، أنه عند إصدار المرسوم رقم 36 تاريخ 16/8/ 2001 ولا سيما المادة 28 منه التي تنص على وجوب توفر مشافي في الجامعات التي تحوي كليات طبية، تم الترخيص لخمس جامعات خاصة لافتتاح كليات طب بشري، والمشرع أراد أن يحقق تنمية صحية في مناطق إحداث تلك المشافي وأن يحقق من جهة أخرى بيئة تدريبية لطلاب كلية الطب البشري.
ولكن نفس هذا الصك التشريعي اشترط أن تمتلك الجامعات الخاصة مساحات واسعة مما جعل تلك الجامعات تؤسَس خارج المدن، واشترط أن تكون المشافي التابعة لها قريبة منها وبالتالي المشافي الخمسة الموجودة هي مشافي مجهزة بشكل جيد جداً ولكنها لم تستطع أن تستقطب المرضى لبعدها عن مراكز المدن من جهة ولكونها مشافي خاصة من جهة أخرى، وبالتالي فإن العملية التدريبية أو التأهيلية في هذه المشافي لم تكن موفقة.
وخلص "محمد" إلى أن هذه المشافي لم تحقق الغرض الذي أنشأت من أجله وبدأت تلك الكليات الطبية بالتعاقد مع المشافي الحكومية لتدريب طلابها.
وهكذا فقد أصبح لدينا العديد من الجامعات الخاصة التي تطلب ترخيص كليات طبية، لكنها متوقفة بسبب شرط توفر مشافي.
إضافة إلى ذلك، فقد بينت الوقائع أن مشافي الجامعات الخاصة لم تستطع تقديم خدمات مجتمعية وتدريبية بالشكل الأمثل رغم التجهيزات المتطورة فيها مما يعد استنزافا لموارد كان من الممكن وضعها في خدمة مشافي وزارة الصحة أو التعليم.