يقف الاقتصاد العالمي على شفا هاوية، وتنتظره أيام عصيبة يبدو أنه لا مفر منها؛ فالأمر تجاوز كونه توقعات متشائمة، وبات متعلقًا ببيانات خطيرة تتضح أمامنا. حيث يقولها صندوق النقد الدولي بصراحة، أن الاقتصاد يواجه "على الأرجح أكبر اختبار له منذ الحرب العالمية الثانية".
في نفس السياق، يتوقع الاقتصادي المخضرم "ديفيد روزنبرغ"، أن ينهار مؤشر S&P 500 (هو مؤشر يضم أسهم أكبر 500 شركة أمريكية بالبورصة)، بنسبة 17% أخرى إلى مستوى 3300 نقطة مع دخول الأسهم في سوق هابطة مطولة، والتي قارنها بالفترة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008.
وكتب الخبير في مقال افتتاحي لموقع MarketWatch: "أشعر وكأنني أستعيد صيف عام 2008". "سوق الأسهم يتبع نمطا مألوفا لسوق كساد هابطة".
وإذا عمدنا إلى مقارنة سريعة مع الماضي، بحلول أواخر مايو/ أيار 2008، قبل أن يتضح حجم مشاكل سوق الرهن العقاري عالي المخاطر، كان مؤشر S&P 500 قد تجنب الوقوع في سوق هابطة بصعوبة، حيث انخفض بنسبة 17% من أعلى مستوى سجله في أكتوبر 2007 قبل أن يتعافى. لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يتراجع السوق تقريباً، حيث انخفض بنسبة 40% بنهاية ذلك العام.
وحذر مؤسس شركة روزنبرغ للأبحاث، وهو خبير مخضرم في السوق لأكثر من 30 عاماً، المستثمرين مراراً وتكراراً للاستعداد لسوق هابطة. واستشهد بانخفاض عائد توزيعات الأرباح الحالي لمؤشر S&P 500 كأحد أسباب توقعه انخفاضاً بنسبة 17% عن مستواه الحالي الذي يقل قليلاً عن 4000 نقطة.
وقال في أحدث تصريحاته: "عائد توزيعات الأرباح على S&P 500 ضئيل وبلغ 1.5%"، وأضاف أن الاتجاه الهابط لا ينتهي عادة حتى يتقارب عائد توزيعات الأرباح مع عائد السندات. وهذا يعني حسابياً أن أدنى مستوى لمؤشر S&P 500 يقترب من مستوى 3300 نقطة.
ما علاقة الأسهم الأمريكية بأداء الاقتصاد العالمي؟
من حق البعض أن يسأل: "مالنا ومال أداء الأسهم الأمريكية والشركات الكبرى، لماذا يجب أن نهتم بها وكيف يمكن أن تؤثر على اقتصاد دول بأكملها أساسًا؟"
في الواقع إن العلاقة بين مؤشرات البورصة الأمريكية وأداء الاقتصاد العالمي أعمق بكثير من الظاهر، والعلاقة بين أداء الاقتصاد العالمي والمشاكل الاقتصادية في الدول النامية والفقيرة حتى هي أكثر تعقيدًا وترابطًا مما قد يتصور لنا بكثير.
بشكل عام، عادة ما تتأثر سوق الأسهم بالعوامل الاقتصادية للبلاد، والتي يعتبرها المستثمرون إشارة حول أداء الشركات والفرص المتاحة أمامها في المستقبل، كما يمكن للتغيرات غير الاقتصادية مثل الأوضاع السياسية والاضطرابات الاجتماعية التأثير على حركة الأسهم ومعنويات المتداولين.
وعلى سبيل المثال إذا أظهرت البيانات الاقتصادية تحسنًا في إنفاق المستهلكين، سيتوقع المستثمرون مزيدًا من الإقبال على المنتجات الاستهلاكية وهو ما يدعم أسهم الشركات العاملة في هذا القطاع، علاوة على كون ذلك إشارة داعمة للنمو، لكن مثلًا إذا تباطأ الاقتصاد ستتوقع الشركات أداءً سيئًا خاصة فيما يتعلق بتوفير التمويل وتوسع العمليات والطلب على السلع الأساسية وثيقة الصلة بالنمو مثل الطاقة.
لهذا السبب يعد سوق الأسهم مؤشرًا أو مرآة للظروف الاقتصادية في البلاد، فإذا كان الاقتصاد يسير على ما يرام ويحقق نموًا في الناتج ستشهد معظم الشركات زيادة في الربحية مع فرص للتوسع.
هذه الزيادة في الأرباح تجعل أسهم الشركات أكثر جاذبية، لأنها بطبيعة الحال تعني توزيعات نقدية أكبر على المساهمين، ومع امتداد أجل النمو الاقتصادي تطول فرصة الاستفادة من مكاسب الأسهم، لكن أيضًا على النقيض، إذا كان السوق يرى ركودًا قادمًا، سوف تنخفض الأسعار.
إذا كانت الأسواق تتوقع دخول الاقتصاد في حالة ركود فسوف تهبط الأسهم، ويرجع ذلك لحقيقة أن الركود يعني انخفاضًا في الأرباح وحتى احتمال إفلاس الشركات، وهو خبر سيئ للمساهمين، وفي حال سيطر عدم اليقين على المستثمرين، فإنهم سيميلون إلى شراء السندات والأصول الآمنة مثل الذهب والين لتلافي الخطر المحتمل.
كيف تؤثر أسواق الأسهم على الأفراد والشركات؟
بعيدًا عن أثرها في السياسات النقدية والظروف المالية للبلدان، فإن للأسهم أثراً آخر غير مباشر على الاقتصاد عن طريق الأفراد والشركات، فمثلًا زيادة ثقة المستهلك تدفعه نحو إنفاق المزيد من الأموال وكذلك الكيانات التجارية، وهذا الإنفاق يدعم النشاط الاقتصادي.
مع ارتفاع أسعار الأسهم، تزداد القيم السوقية للشركات، وهذا يعني تعاظم قدرتها على اقتراض الأموال مقابل تكلفة أقل، وبالتالي تسارع وتيرة توسع العمليات والاستثمار في مشاريع جديدة وتوظيف المزيد من العمال، وفي نهاية المطاف يعزز ذلك الناتج المحلي الإجمالي.
إذا كان ارتفاع الأسهم سببًا في تحفيز الاقتصاد، فالعكس صحيح، إذ يؤدي هبوطها الملحوظ إلى عكس العوامل المحفزة، متسببًا في تراجع إنفاق المستهلكين وهبوط قيم الشركات وبالتالي ضعف القدرة على الاقتراض وتباطؤ التوسع والاستثمار.