يدق خبراء الأمن الغذائي في مجلس الأمن الدولي ناقوس الخطر من مجاعة توثر على الاستقرار السياسي في العالم وسط النقص الحاصل في مخزونات القمح العالمية وارتفاع أسعار هذه المادة الأساسية في الأسواق.
وأبلغت خبيرة في الأمن الغذائي مجلس الأمن الدولي بأن العالم لديه مخزونات من القمح تكفيه فقط لمدة 10 أسابيع، بحسب قناة "فوكس 10" الإخبارية الأميركية، وهو ما يعني أن الأمن الغذائي في العالم بلغ مرحلة حرجة لم يشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008.
وتأتي الدول العربية في مقدمة البلدان المهددة بنكسة وأزمة في مادة القمح الأساسية بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط، بسبب إهمال الحكومات وتردي الأوضاع الاقتصادية.
فيما يلي نستعرض بعضًا من الدول العربية التي تنتظرها مخاطر محدقة في حال استمرار أزمة القمح العالمية لفترة أطول:
سوريا:
مع اقتراب موسم الحصاد وجني الثمار في شمال شرقي سورية، لجأ كثير من المزارعين إلى بيع حقول القمح والشعير لمربي المواشي، بسبب سوء نمو هذه المحاصيل الناتج عن تراجع كمية الأمطار هذا العام والجفاف الذي أصاب الكثير من الأنهار في المنطقة التي تعتبر سلة سورية الغذائية، وكانت حتى سنوات قليلة ماضية مصدر القمح، إذ بلغ إنتاجها نحو مليون طن.
ومن أكثر المناطق التي شهدت تضرراً في المحاصيل، أراضي مدينة "تل تمر" في ريف الحسكة وعين العرب (كوباني) بريف حلب، إذ لم يتجاوز فيها طول ساق نبتة الشعير الـ 10 سنتيمترات، وكثير منها لم تنتج السنابل، فيما اعتبره مزارعون من أبناء المنطقة الموسم الأسوأ منذ أكثر من 40 عاماً.
يقول المزارع "يوسف سيدو"، من ريف مدينة تل تمر، لصحيفة "العربي الجديد"، إن أكثر من 50% من محاصيل الأراضي الزراعية البعلية (تعتمد على الأمطار) في المنطقة تم بيعها لمربي المواشي، مشيرا إلى أن هذا الحل يعدّ خياراً أخيراً لمعظم المزارعين، حيث يبلغ ثمن بيع الدونم الواحد (يعادل ألف متر مربع) نحو 300 ألف ليرة سورية .
ويلفت "سيدو" إلى أن بعض المزارعين أحجموا عن الزراعة أساساً في هذا الموسم، وذلك بسبب غلاء الأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية، واستمرار الأعمال العسكرية في المنطقة، إضافة إلى غلاء المحروقات (المنتجات النفطية) وتغيّر الأسعار تبعاً للدولار الأميركي، وتأخر الأمطار الذي يساهم في تأخر نمو المحاصيل، مضيفا: "من زرع أرضه حتماً خسر ما وضعه في الأرض، وقليل من المزارعين استطاعوا تحصيل رأس المال من خلال بيع المحصول لمربي المواشي".
العراق:
تسببت أزمة شح المياه في العراق، في تراجع كميات إنتاج محصول القمح لهذا العام إلى مستويات قياسية بالمقارنة مع الأعوام الخمسة السابقة، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في المخزون الاستراتيجي للبلاد، واتجاه السلطات نحو الاستيراد من الخارج لتلبية الاحتياجات المحلية، وسط أزمة إمدادات عالمية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
يلحظ عراقيون آثار التراجع في كميات القمح المخزّنة والمتوفرة، على واقعهم المعيشي، إذ ارتفع سعر الخبز في عموم مدن البلاد إلى حوالي الضعف، وهو مستمر في الارتفاع، ويؤكد تاجر حبوب شهير في بغداد ذلك قائلًا: "العراق يواجه أزمة حقيقية في القمح، وهناك مخازن حكومية باتت فارغة تماماً، ولا نعرف كيف يمكن للحكومة معالجة هذه المشكلة، ولا سيما أن الإنتاج بات منخفضاً."
قبل ذلك، اعترف المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون أن "الحديث عن عدم وجود مخزون كاف كان صحيحاً، ففي الشهر الثاني والثالث من العام الحالي كان مخزون التجارة 300 ألف طن، لكن الوزارة كانت لديها خطة واضحة في مواجهة هذا الانخفاض، وأن أزمة ارتفاع الأسعار وقلة مخزون القمح في المخازن العالمية تم تداركها سريعا من خلال إجراءات فنية وإدارية، عبر استيراد 250 ألف طن من القمح المستورد من الأسواق الألمانية والأسترالية بعد أن تعاقدت وزارة التجارة مع هذه المنشآت".
مصر والسودان:
رغم امتلاك كل من مصر والسودان إمكانيات زراعية هائلة تجعلهما سلة غذاء العرب، إلا أن إهمال القطاع الزراعي حوّل مصر إلى أكبر مستورد للقمح في العالم. أما السودان، الذي يمتلك أكبر مساحات قابلة للزراعة في الوطن العربي، فإن إنتاجه لا يكفي سوى نسبة محدودة من الاحتياجات المحلية.
وبينما تهتم الحكومة المصرية للغاية بالاستيراد وتدفع عليه مبالغًا طائلة، يقبع الفلاح المصري في حفرة الفقر والديون، ويعاني من تواضع الدعم الحكومي والقوانين التي تقيد عليه رزقه.
بينما تصاعدت التحذيرات في السودان من تداعيات تقاعس الحكومة عن شراء القمح من المزارعين الموسم الجاري، رغم حاجة البلاد إلى تأمين مخزونات كافية من أجل مواجهة أزمة الإمدادات العالمية.
وحسب بيانات رسمية يستهلك السودانيون أكثر من مليوني طن سنوياً، يتم تغطية نسبة كبيرة منها عبر الاستيراد إذ يبلغ متوسط الإنتاج نحو 300 ألف طن.
المغرب:
أعلنت الحكومة المغربية، الخميس، أن مخزون القمح في البلاد يكفي لأربعة أشهر فقط لا غير، في وقت يتخوف فيه مهنيو قطاع المخابز والحلويات من أن تمسّ أزمة القمح العالمية بعض المواد الأساسية في صناعة الخبز، وذلك بعد التأكيدات الرسمية الأخيرة بشأن ضعف الإنتاج المحلي من القمح ووقف الإمدادات العالمية.
وقال الوزير المنتدب، والناطق الرسمي باسم الحكومة، "مصطفى بايتاس"، يوم الخميس الماضي، إن المخزون الوطني من القمح يكفي لأربعة أشهر، مشدداً على أن أسعار هذه المادة عرفت ارتفاعات كبيرة جداً وهائلة، جراء القرارات التي اتخذها عدد من الدول في هذه الظرفية الموسومة بالحرب وتقلبات الأسعار.
وأوضح الوزير المغربي في مؤتمر صحافي عقده بعد انعقاد المجلس الحكومي اليوم، أن بلاده "قامت بمجهود كبير في ما يخص هذه المادة، خصوصاً القمح الليّن الذي ينتج منه الدقيق"، مشيراً إلى أن كلفة الدعم الذي تقدمه الحكومة للحفاظ على أسعار هذه المادة في متناول المواطنين، مرتفعة جداً.
ويعتبر المغرب ثالث مستهلك للقمح في أفريقيا، بعد مصر والجزائر، حيث يتجاوز الاستهلاك 100 مليون قنطار في العام، علماً أنه يُعَدّ من بين العشر دول في العالم الأكثر استيراداً للحبوب.
ويصل متوسط الاستهلاك الفردي إلى 200 كلغ من القمح في العام، أي ما يمثل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، حيث يعتبر الخبز أهم مكون في النظام الغذائي المحلي.