تستمر الليرة التركية بالتراجع لليوم العاشر على التوالي، لتسجل مستوى منخفضاً جديداً لهذا العام، بعد أن خفّض المقرضون التابعون للدولة حجم مبيعات الدولار التي كانت تتم لدعم العملة المحلية.
وباعت البنوك المملوكة للدولة على إثر الانخفاض الأخير أكثر من مليار دولار لدعم العملة خلال الأيام الماضية، لكن وتيرة التدخلات تباطأت، منذ أمسٍ الثلاثاء، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن متداولين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
وعلى الرغم من أن هذه الصورة القاتمة تسود في أسواق المال التركية، إلا أنها لا تعكس الواقع الاقتصادي بالكامل، إذ يرى الاقتصادي التركي "مسلم أويصال" أنه لا يوجد سبب داخلي لتبرير استمرار تراجع الليرة.
ويضيف "أويصال" في حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، أن السياحة والصادرات بأحسن أحوالهما ربما منذ فورة عام 2019، إذ تتطلع بلاده لاستقبال أكثر من 35 مليون سائح هذا العام، بعد بدء التعافي في العام الماضي وتحسن العائدات بنسبة 103% عن عام 2020 وقت وصلت عائدات السياحة إلى 24.4 مليار دولار عام 2021.
وأشار إلى أن تحسن العلاقات مع السعودية والإمارات رفع الآمال بزيادة الصادرات هذا العام، بعد قفزات الربع الأول من 2022، ما جعل رقم 250 مليار دولار ممكن التحقيق.
وبحسب أحدث بيانات وزارة التجارة، فقد حقق إجمالي الصادرات التركية خلال الأشهر الـ 4 الأولى من العام الجاري نمواً بنسبة 21.7 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتبلغ عائداتها 83 مليارا و564 مليون دولار.
لماذا تستمر الليرة التركية بالتدهور رغم تحسن المؤشرات الاقتصادية؟
يرى مراقبون أن ارتفاع أسعار النفط وعجز الميزان التجاري الذي بلغ 5.55 مليارات دولار الشهر الماضي، هو سبب مهم لتراجع سعر الليرة التركية، لأن تركيا تستورد أكثر من 93% من استهلاكها للنفط والغاز بفاتورة تزيد عن 45 مليار دولار سنوياً.
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي "أويصال" إلى أن سعر الدولار المتحسن عالمياً، هو العامل الرئيس، معتبرًا أن العوامل الداخلية ليست مبررات لتراجع الليرة.
وشاركه "فراس شعبو"، أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير، بنفس الرأي، إذ اعتبر أن رفع سعر الفائدة بالمصرف المركزي الأميركي نصف نقطة لتصل إلى 1%، أدى لرفع سعر الدولار مقابل جميع العملات العالمية، "بل وبدأنا نرى انهيارات العملات الرقمية، ما جعل الإيداع الملاذ الأكثر أماناً بواقع الحروب ومعوقات الإنتاج والتجارة".
ولم ير "شعبو" أي مبرر داخلي لاستمرار تراجع الليرة التركية، سوى استمرار اهتزاز الثقة والمخاوف من إجراءات المصرف المركزي لتحقيق خطته بسعر فائدة منخفض. ذلك أن المؤشرات الاقتصادية جميعها تدعو للتفاؤل، سواء صادرات أو سياحة أو حتى حسن علاقات مع دول الجوار والتي ستنعكس على اقتصاد تركيا وعملتها، بحسب رأيه.
ولم يخف "شعبو" اعتقاده بـ "ضرورة رفع سعر الفائدة المصرفية بتركيا لامتصاص بعض فائض التضخم الذي اقترب من 70% على أساس سنوي"، بينما توقع "استمرار التضخم عالمياً وتهاوي أسعار عملات الدول الناشئة".
وأضاف أن "العامين المقبلين سيشهدان ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، وقد نرى انهيارات أو إفلاسات وتغير بالخريطة الاقتصادية الدولية جراء الحرب الروسية على أوكرانيا والتوقعات بتوسع رقعة الصراع".
في نفس السياق، قال "بيوتر ماتيس" المحلل في InTouch Capital Markets: "إن الليرة الأضعف تعكس نقاط ضعف الاقتصاد التركي أمام ارتفاع أسعار الطاقة والمخاطر المتزايدة بحدوث ركود عالمي أو على الأقل تباطؤ متزامن"، وفق ما نقلته "بلومبرغ".