العقود الآجلة، أو بالإنجليزية Forward Contracts، هي اتفاق بين طرفين لبيع أصل مالي معين أو شرائه بقيمة محددة في تاريخ مستقبلي معلوم، ويكون هدفها الرئيس هو التقليل من مخاطر تقلب الأسعار التي قد تطال سعر الأصل المتفق عليه.
في هذا النوع من العقود، يعد الطرف المشتري هو الدائن (صاحب الحق في مبلغ يدفعه الطرف الآخر)، بينما يكون البائع هو المدين، وفي حال ارتفع سعر الأصل الأساسي، فإن ذلك سيصب في مصلحة الدائن، أما إذا انخفض سعر الأصل الأساسي، فإن المدين هو من سيستفيد.
على سبيل المثال: "أبرم معك عقدًا لشراء أونصة من الذهب مقابل 1900 دولار، بتاريخ الشهر المقبل، فإذا أصبح سعر الأونصة بعد شهر 2000 دولار سأكون أنا الرابح، وإذا صار 1800 دولار سأخسر لأني ملزم بالشراء مقابل 1900 دولار مهما انخفض السعر".
في الواقع لا يتم تداول هذه العقود في بورصة مركزية وإنما تعد أدوات مالية خارج البورصة، ويمكن تصميمها لتناسب سلعة ومبلغ وتاريخ تسليم مخصص، ونظراً لاحتمال تعرضها لمخاطر التخلف عن السداد وعدم وجود غرفة مقاصة مركزية، فإن العقود الآجلة ليست متاحة بسهولة لمستثمري التجزئة.
العقود الآجلة في التعاملات بين الدول:
برز دور العقود الآجلة في التعاملات بين الدول بشكلٍ كبير خلال الفترة الأخيرة، ولنأخذ النفط مثالًا هنا:
من غير المتصور أنه مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا ارتفع سعر النفط الحقيقي فورًا أو تضرر الإنتاج بشكل آني، لكننا لمسنا الغلاء في البورصة مباشرةً، وفي الأسواق خلال أيام محدودة، والسر هنا يكمن في مفهوم العقود الآجلة؛ لأنها تعاملات مستقبلية يتحدد سعرها ليس وفقًا لوضع السلعة الحالي، بل وفقًا لما قد تكون عليه في المستقبل.
إذا كانت المؤشرات تخبرنا بأن السوق يتجه إلى أزمة، ترتفع العقود الآجلة للسلع فورًا ويصبح المشترون أكثر استعدادًا لدفع أسعار أكبر لأنهم يعتقدون بأنها ستتجاوز الأسعار التي دفعوها.
وإذا كانت المؤشرات تخبرنا بقرب انفراج هذه الأزمة، تنخفض العقود الآجلة للسلع المعنية بغض النظر عن مدى توافرها في الوقت الحالي.
بالرجوع إلى مثال النفط، لنقل إن الصين ترغب بشراء 100 ألف برميل نفط من السعودية على شكل عقود آجلة تسليمها بعد 6 أشهر، في هذه الحالة فإن السعودية تراهن على انخفاض سعر النفط خلال الأشهر الـ 6 القادمة لكي تربح من هذه الصفقة، والصين تراهن أن سعر النفط سيرتفع أكثر وأكثر وستحصل عليه حينها مقابل ثمنٍ بخس.
لهذا السبب يتهم البعض النظام الاقتصادي العالمي القائم على هذا النوع من البيوع بأنه يخلق الغلاء والتضخم، وهذا اتهام صحيح، فتخيل أن يرتفع سعر الطحين أو الرز الذي تشتريه من البقال نتيجة حدوث أزمة في بلد يبعد آلاف الكيلومترات عنك؟!
قد يلوم البعض التجار في هذه المواقف، لكن اللوم كاملًا لا يقع عليهم، فهم يدفعون أسعارًا أكبر لشراء المخزون المستقبلي من هذه السلع، وإذا باعوك إياها بالسعر الفوري لن يكفي رأس المال لشراء بضاعة جديدة فضلًا عن الربح.
الفرق بين العقود الآجلة والعقود المستقبلية: هي متشابهة من حيث المبدأ مختلفة من حيث الآلية
- في العقود المستقبلية لا يوجد أطراف محددة ولا شروط خاصة بالأطراف.
- العقود المستقبلية يتم تداولها في البورصة، لذلك تعتبر عقوداً منظمة.
- نتيجة لعدم تداول العقود الآجلة في سوق مالية منظمة، يترتب على الأطراف تحمل التكاليف الإضافية المتعلقة بالعناية الواجبة وصياغة العقود، ما يجعل العقود الآجلة أعلى تكلفة من العقود المستقبلية التي يدفع فيها الأطراف الحد الأدنى من الرسوم للأسواق المالية.
- لا يمكن تسوية العقود الآجلة قبل تاريخ الاستحقاق، على عكس العقود المستقبلية التي يمكن إنهاؤها قبل موعد استحقاقها، وذلك بسبب تسويتها يومياً وتحديث أسعارها يومياً حسب اتجاهات السوق.
- تعد مخاطر العقود الآجلة أعلى من مخاطر العقود المستقبلية بسبب عدم وجود أي وسيط بين أطراف العقود الآجلة.
حكم البيع الآجل والعقود الآجلة في الشريعة الإسلامية:
يجوز بيع السلعة إلى أجل بأكثر من سعرها الحاضر سواء كان دفع الثمن أقساطاً أم مرّة واحدة عند الأجل، لكن بشرط ألا يفترقا حتى يعيّنا نوع البيع، ويتفقا على كونه نقداً أو لأجل، وليست الزيادة ربا، وليس في الشرع نص على تحديد مقدار الزيادة في البيع لأجَل عن البيع.
لكن العقود الآجلة أو المستقبلية بشكلها الحالي هي محرمة، وفقًا لنص قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن معاملات البورصة، ولهذه الأسباب:
- لأن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعاً حقيقاً، ولا شراء حقيقاً؛ لأنه لا يُجْرَى فيها التَّقَابُض بين طرفي العَقد فيما يُشْتَرَط له التَّقَابُض في العِوَضَين أو في أحدهما شرعاً.
- لأن البائع فيها غالباً يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع، على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد كما هو الشرط في السَّلَم.
- لأن المشتري فيها غالباً يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضاً لآخر قبل قبضه. وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير، الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول، الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، في حين يقتصر دور المشترين والبائعين ـ غير الأول والأخير ـ على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تماماً.