بعد أيام عصيبة وليالي سوداء عاشتها العملة الروسية، يمكننا القول الآن إنها قد قلصت خسائرها الكبيرة وبدأت في الاستقرار، إذ يتم تداولها حاليًا عند مستويات 83 روبل للدولار.
قد تكون مستويات 83 روبل للدولار الواحد أقل مما كانت عليه قبل غزو القوات الروسية لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط، لكنها أفضل بكثير من أدنى مستوى قياسي لها عند 151 روبل في 7 مارس/ آذار.
في الاتجاه المقابل، غالباً ما يعكس ارتفاع أسعار العملات المحلية لأي بلد، توقعات بانتعاش اقتصادها، إلا أن الحالة الروسية قد تبدو مغايرة للمعتاد، فالأمر لا يتعلق بانتعاش الاقتصاد بل يتعلق بلعبة متقنة من طرف المركزي الروسي لخلق طلب هائل على الروبل.
لعبة المركزي الروسي لإنعاش الروبل قبيل لفظ أنفاسه الأخيرة:
في بداية الأمر استنفرت روسيا، لتضع حداً للدولارات التي يمكن للمقيمين سحبها من الحسابات المصرفية، كما منعت البنوك من بيع العملات الأجنبية للعملاء خلال الأشهر الستة المقبلة.
إضافة إلى ذلك لا يُسمح لشركات السمسرة الروسية أيضاً بتمكين العملاء الأجانب من بيع الأوراق المالية، وجميع هذه الإجراءات جعلت من الصعب بيع الروبل، وبالتالي الحد من خسائره، وفقاً لما ذكرته "وول ستريت جورنال".
وفي خضم سيل العقوبات الذي فرضه الغرب بلا هوادة، كان مجبرًا على تحييد قطاع الطاقة الذي تعتمد عليه أوروبا بشكل خاص، مما أدى إلى استمرار تدفق القطع الأجنبي إلى البلاد. كما أمرت روسيا المصدرين ببيع 80% من عائداتهم من العملات الأجنبية وشراء الروبل، مما ساعد العملة على الارتفاع.
في تعليقٍ على ذلك، قال "روبن بروكس" كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي: "من العدل القول إن الروبل ليس مسعراً عند مستواه الحقيقي، وإذا كان هناك تدفق حر في كلا الاتجاهين، فسنرى روبل أضعف بكثير".
أما الورقة الحاسمة التي أنهت اللعبة فكانت ما حدث مؤخراً، حين قرر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، بيع الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية بالروبل بدلاً من الدولار واليورو.
وهذه الخطوة هي ليست لمجرد خلق طلب أكبر على الروبل، بل إن ذلك سيعكس التدفق الحالي للأموال، مما يجعل الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، تدعم العملة الروسية، كما يضمن لروسيا دعم الروبل من مبيعات الطاقة.
وإذا كان كل ذلك لا يكفي، فتضيف أسعار النفط التي تجاوزت 100 دولار للبرميل دفعة إلى الإيرادات الروسية، حتى مع تداول مخزونات موسكو بسعر مخفض، وانسحاب مئات الشركات الغربية من اقتصادها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقوية الروبل، حتى لو كان الاقتصاد الروسي في حالٍ يرثى لها.
ما مدى فعالية الخطة الروسية؟
يقول "جورج بيركس" خبير الاقتصاد الكلي في مجموعة بيسبوك إنفستمنت غروب: "هناك الكثير من الأشياء التي لا يُسمح لك بشرائها أو بيعها.. يمكن أن يقوى الروبل كثيراً، إلا أنه لن يعني شيئاً أكثر من ذلك، إذ لن يحصل الروس على مستلزماتهم من العالم الغربي".
في سياقٍ متصل، لم تعد العديد من البنوك الغربية تقدم عروض الأسعار الإلكترونية لشراء وبيع الروبل. بل يجب على العملاء بدلاً من ذلك الاتصال بالبنك والسؤال عما إذا كان على استعداد لتغيير العملة، وبأي سعر.
كل ذلك يعني أن البنوك العالمية التي تشعر بالقلق من معارضة العقوبات الغربية، مضطرة إلى تصفية كل معاملة بالروبل مع إداراتها الداخلية.
وقد تبوء خطة المركزي الروسي بالفشل، مع إعلان الدول الأوروبية عن خطط للتحول بعيداً عن الطاقة الروسية في السنوات المقبلة، مما سيؤدي أيضاً إلى إضعاف الروبل على المدى الطويل.