نسمع دائمًا من شركات إنتاج النفط العملاقة، مثل "إكسون موبيل كورب" (Exxon Mobil Corp) وصولًا إلى أعضاء "أوبك" (OPEC) كالمملكة العربية السعودية، قولهم إن قطاع النفط سيشهد نموًا يمتد لعشرات السنين، لأنه يلبي احتياجات الطاقة لأفراد الطبقات الوسطى، التي تزداد في جميع أنحاء العالم.
لكن ماذا لو كانوا مخطئين؟ ماذا لو كان انهيار القطاع النفطي والوقود الأحفوري أقرب من أي وقتٍ مضى؟ نحن لن نحدثكم عن الفرضيات الفارغة التي تخمن نفاد النفط من العالم، لكن هناك العديد من الأسباب والبيانات التي تشير بشكلٍ خفي إلى قرب انتهاء عصر النفط.
في المخطط أدناه التوقعات التقليدية (المتفائلة) للطلب على النفط خلال السنوات القادمة
السؤال ليس هل، بل متى سينتهي عصر النفط:
هذه التوقعات المذكورة أعلاه لا تضع في الاعتبار دائمًا حدوث تحولات جذرية في السياسات والتكنولوجيا، التي من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ الطلب على النفط أو تلاشيه تمامًا من بعض كبرى قطاعات الاقتصاد.
فحتى التغييرات البسيطة يمكن أن يكون لها تأثير ملموس، فتطور كفاءة المركبات، وزيادة إنتاج السيارات الكهربائية، وفرض معايير أكثر صرامة على انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة، وإيجاد مصادر طاقة بديلة، كل ذلك قد يسبب انخفاض الطلب بنسب تزيد بكثير على التي يتوقعها قطاع النفط.
في هذا الصدد، قال "جول كورتينهورست" الرئيس التنفيذي لمعهد "روكي ماونتن" (Rocky Mountain Institute)- ، في مقابلة له: "لا يمكننا حتى أن نستوعب التحول الذي سيشهده قطاع النقل، وليس السؤال هنا (هل) سيحدث هذا التحول بل (متى سيحدث؟)
وأعلنت المملكة أنها ستحظر بيع سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2040، لتصبح ثاني دولة من "مجموعة الدول الصناعية السبع" (Group of Seven) التي تفعل ذلك، بعد فرنسا.
وصرحت شركة "فولفو" (Volvo) السويدية- في وقت سابق من 2017 - بأن جميع سياراتها ستعمل بمحركات كهربائية في عام 2019، في حين أعلنت "بي إم دبليو" (BMW) عن تصنيع نسخ كهربائية لسيارتها "ميني" (Mini) الشهيرة في بريطانيا.
ما هو أكثر ما قد يؤثر على طلب النفط عالميًا؟
الحقيقة أن 60 في المئة من النفط تقريبًا، يستخدم في وسائل النقل، وهو الحقل الذي يشهد أهم التحولات التقنية. وتعمل الحكومات المعنية بتغير المناخ أو تلوث الهواء، في جميع أنحاء العالم، على فرض معايير أشد صرامة على كفاءة استهلاك الوقود، أو تهيئة مناطق منخفضة الانبعاثات للسيارات وللسفن.
وزادت قضية تحايل شركة "فولكس واجن إيه جي" (Volkswagen AG) في اختبارات انبعاثات الديزل، واتهامات مماثلة تواجهها شركات أخرى مصنعة للسيارات، من حرص الجهات التنظيمية على تشديد المعايير في هذا الشأن.
ووفقًا لمعهد "روكي ماونتن" (Rocky Mountain Institute) فمن المتوقع أن يحد انتشار تحليل البيانات الضخمة من هدر الوقود إلى درجة كبيرة، فالطائرات التي تنتجها شركات مثل "جنرال إلكتريك" (General Electric Co) يمكنها بالفعل اكتشاف أي تغير بسيط في أداء المحرك، ما يساعد المهندسين في إصلاح أي مشكلة في الطائرة بسرعة والحفاظ على استمرارية عملها بكامل كفاءتها.
كما تتيح تقنيات الملاحة المتقدمة- لسائقي الشاحنات- إمكانية تقليل المسافات التي يقطعونها، وسيُمكن تطور الديناميكا الهوائية المركبات من قطع مسافات أبعد باستخدام كمية أقل من الوقود.
وستقلل هذه التقنيات والعديد غيرها من الانبعاثات، كما ستساهم في توفير الأموال أيضَا، خاصة مع توقعات "الوكالة الدولية للطاقة" (International Energy Agency) بارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولارا، في نهاية العقد، وتجاوزها 100 دولار بحلول عام 2030.
وتتوقع "الوكالة الدولية للطاقة" أن تلغي زيادة كفاءة استهلاك الطاقة الحاجة إلى نحو 11.6 مليون برميل نفط يوميًا، أي ما يعادل حمولة 6 ناقلات نفط عملاقة كل يوم، وهذا ما سيبدو عليه المستقبل مع نتائج رفع الكفاءة:
ولعل أبرز تحول في قطاع النقل هو السيارات الكهربائية، فوفقًا لمركز الأبحاث "ريثنك إكس" (RethinkX) في سان فرانسيسكو، فإن هذا التحول لا يقتصر على السيارات التي تعمل بالبطاريات وحسب، بل هو جزء من توجه أوسع تقوده شركات مثل "أوبر تكنولوجيز إنك" (Uber Technologies Inc)، و"ليفت إنك" (Lyft Inc)، نحو إطلاق خدمات نقل في سيارات من دون سائق يمكنك طلبها عبر هاتفك الذكي.
ولا شك في أن تحول الوضع الحالي، من الملكية الفردية للسيارات التقليدية التي تعمل بالبترول، إلى الملكية المشتركة للسيارات المتطورة التي قد تعمل بلا سائق؛ ستكون له تبعات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، خاصة أن أكثر الجهود الساعية لتحقيق هذا التحول تُبذل في الدول الاقتصادية الكبرى الأسرع نموًا، ففي الصين، تشير أحدث خطة لقطاع السيارات إلى أن نمو مبيعات السيارات الجديدة سيرتكز بالكامل على "الكهربائية" منها، كما تخطط الهند لبيع السيارات الكهربائية فقط بحلول نهاية العقد المقبل.
وقال "جيل نورماند" (Gilles Normand)، رئيس قسم السيارات الكهربائية في شركة "رينو إس إيه" (Renault SA) في مقابلة له: "يمكن القول باختصار إن قطاع السيارات سيتطور في السنوات الـ 10 المقبلة، بشكل يفوق التطور الذي شهده في القرن الماضي".
ويضيف "سبنسر ديل" (Spencer Dale)، كبير الاقتصاديين في شركة "بي بي" (BP)، أنه إذا حققت السيارات الكهربائية مبيعات تصل لمستوى مبيعات هاتف "آي فون" (iPhone)، فقد تزيد أعدادها عالميًا من 1.2 مليون سيارة حاليًا لتصل إلى 450 مليون سيارة بحلول عام 2035.
وأوضحت "الوكالة الدولية للطاقة" (International Energy Agency) أن استخدام السيارات الكهربائية، بهذا المستوى، قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط بمعدل 5.2 مليون برميل في اليوم.
وستصبح التوقعات الأساسية كالتالي:
في المقابل، بدأت بعض شركات النفط الكبرى بالتفاعل مع هذا التحول، وتراهن "رويال داتش شل بي إل سي" (Royal Dutch Shell Plc)، أكبر شركة للطاقة في أوروبا، على سيارات الهيدروجين عديمة الانبعاثات، كما تبني محطات الغاز الطبيعي المسال للشاحنات في الولايات المتحدة وللسفن في أوروبا.
ومن المتوقع أن يتفوق الوقود الحيوي على النفط في بعض الأسواق، كسوق شركات الطيران، على سبيل المثال، التي تسعى إلى تقليل انبعاثات الكربون، لكن طاقة البطاريات الحالية ليست مناسبة لتحقيق ذلك.
ومن الممكن أن يتسبب نمو صناعة البلاستيك الحيوي في انخفاض الطلب على البتروكيماويات، التي تتوقع شركة "ماكينزي آند كو" (McKinsey and Co) أن يشكل الطلب عليها 70 بالمئة من نسبة الطلب على النفط حتى عام 2035.
وتتحمل شركات المشروبات، مثل "كوكا كولا" (Coca-Cola)، تكلفة أعلى بقليل لتعبئة منتجاتها في زجاجات مصنوعة من مواد نباتية، والتي بدورها لن تتسبب بتفاقم مشكلة المخلفات البلاستيكية في المحيطات.
ووفقًا لـ"الوكالة الدولية للطاقة" فإن التحول واسع النطاق إلى مصادر الطاقة البديلة، كالغاز الطبيعي والوقود الحيوي سيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط بمعدل 13.5 مليون برميل في اليوم، تقريبًا، بحلول 2040، أي أكثر من ضعف نتائج التحول للسيارات الكهربائية.
وأقرت بعض الشركات باحتمالية وصول الطلب على النفط إلى ذروته في وقت قريب، وصرحت شركة "شل" (Shell) بأن الطلب قد يبلغ ذروته في خلال 5 إلى 15 عامًا، في حين تعتقد شركة "توتال" (Total) أن زيادة عدد السيارات التي تعمل بالبطاريات ستؤدي إلى بلوغ الطلب على النفط ذروته في الثلاثينيات من هذا القرن.
تحولات جوهرية:
ستواجه الشركات المنتجة للنفط، التي تعد من كبرى الشركات في العالم اليوم، عواقب وخيمة بسبب هذه التغيرات في الطلب على النفط.
ويقول " كورتنهورست": "إذا قل استخدام النفط كوقود للنقل فسيتغير شكل اقتصاديات مراحل التكرير والتوزيع في قطاع النفط والغاز تمامًا".
ومن الممكن أن يكون في المصير المشؤوم لقطاع صناعة الفحم في الولايات المتحدة درس مستفاد في حالة النفط، فقد وصل الطلب على الفحم إلى ذروته في عام 2007 ثم انخفض تدريجيًا مع تحول محطات الطاقة إلى الغاز الطبيعي. وأدى ذلك إلى انهيار عدد من شركات إنتاج الوقود الأحفوري في البلاد، مثل شركة "بيبودي إنرجي كوب" (Peabody Energy Corp)، وهي واحدة من نحو 50 شركة فحم أشهرت إفلاسها في السنوات الأخيرة.
وصرح المصرف الألماني "دويتشه بنك إيه جي" (Deutsche Bank AG) بأن شركات النفط التي تتوجه الآن للطاقة المتجددة، مثل شركة "ستات أويل إيه إس إيه" النرويجية (Statoil ASA)، هي الأقدر على تجاوز مرحلة ذروة الطلب على النفط، بينما تعد شركة " إكسون موبيل كورب" (Exxon Mobil Corp) الأكثر عرضة للخطر، بسبب حجمها و"رفضها التغيير".
أما شركات النفط الحكومية العملاقة- التي تسيطر على "منظمة الدول المصدرة للنفط" (Organization of Petroleum Exporting Countries)- فهي الأكثر عرضة للخطر ويمكن أن ينتهي بها الحال بحيازة مليارات البراميل من النفط الخام غير المرغوب فيه.