ما بعد حرب أوكرانيا ليس كما قبلها، وليس المقصود هنا هو التوازنات السياسية والعسكرية فحسب، بل أهم ما سيتغير بالمنطقة هو معطيات الاقتصاد وبعض مبادئه التي لم يكن يجرؤ أحد على المساس بها.
في هذا الصدد، نشرت صحيفة "العربي الجديد" تقريرًا يحتوي على أهم ما ينتظر خبراء الاقتصاد والعارفون بشؤون المال والأعمال تغيره على مستوى العالم في فترة ما بعد حرب أوكرانيا.
نظام مالي عالمي جديد وصين جديدة:
هناك نظام مالي عالمي جديد سيفرض نفسه على الجميع، وسيظهر نظام اقتصادي يتم رسم ملامحه الآن وقد يختلف كثيراً حتى عن نظام "بريتون وودز" الذي يهيمن على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهناك قوى اقتصادية ستصعد أكثر وقوى أخرى قد تتراجع.
وهناك إفلاسات لدول وتهاوٍ لعملات، وهناك خريطة جديدة لأسعار السلع الرئيسية. أما الصين فستجد نفسها أمام مفترق طرق؛ فإما الدخول في مواجهة مبكرة مع الولايات المتحدة في حال هزيمة روسيا في أوكرانيا وضرب مفاصل الاقتصاد الروسي عبر العقوبات، وإما صينٌ يزيد تحالفها مع روسيا ما بعد انتهاء الحرب وتتسع رقعة سيطرتها على اقتصاد العالم وتجارته الخارجية.
مبادئ اقتصادية كانت جدارنًا منيعة وستسقط:
عالم ما بعد حرب أوكرانيا سيشهد سقوط مبادئ اقتصادية محفوظة في الكتب والنظريات التقليدية، من أبرزها حماية النظام الرأسمالي والدساتير الغربية الملكية الخاصة.
فقد صادر الغرب ثروات وأصولاً وأموالاً تقدر بمليارات الدولارات مملوكة للشركات الروسية الخاصة ولمئات من رجال الأعمال والأثرياء الروس، بمن فيهم هؤلاء الذين لا علاقة لهم أصلاً بالسياسة الروسية، أو لا تربطهم علاقة مصالح أو صداقة بالرئيس الروسي "فلايديمير بوتين" والكرملين والنخب الحاكمة.
ستسقط أيضاً حماية وتقديس البنوك الغربية لمبدأ السرية المصرفية وأموال المودعين واحتياطيات الدول من النقد الأجنبي المودعة لديها، فقد وضعت الدول الغربية يدها على أكثر من 300 مليار دولار من أموال الدولة الروسية تمثل نصف احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي، وذلك في أكثر عملية قرصنة مالية بجاحةً بالتاريخ.
في عالم ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا يسقط مبدأ أن نظام التحويلات المالية الدولي "سويفت" بعيد كل البعد عن أمور السياسة والخلافات بين الدول، وأنه نظام مالي عالمي يقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من الجميع، ويقدم خدماته للقطاع المصرفي حول العالم، ولا يقحم نفسه في خلافات الدول وشؤون الحروب.
فقد أقحم نظام السويفت نفسه حينما راح يقطع خدماته عن البنوك الروسية، ومنها البنك المركزي الروسي، بإيعاز من إدارة "جو بايدن"، ويتلقى التعليمات من الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية التي تناصب روسيا العداء.
حتمية البحث عن بديل للدولار:
في عالم ما بعد أوكرانيا سيكتشف العالم حتمية البحث عن عملة رئيسية أخرى غير الدولار لتسيير المعاملات الدولية وإدارة الاحتياطيات النقدية واستخدامها في أنظمة الدفع، وأن بيع النفط والغاز والمعادن والسلع الأساسية والذهب والفضة والمواد الخام ليس بالضرورة أن يتم بالعملة الأميركية، وليس بالضرورة أيضاً أن يتم بالوسائل البدائية القديمة، ومنها نظام المقايضة.
فهناك عملات أخرى يجب أن يكون لها دور أكبر في نظام المدفوعات الدولية، منها اليوان الصيني والين الياباني والفرنك السويسري والروبية الهندية.
وربما يستعيد اليورو الدور المرسوم له قبل 20 سنة من حيث منافسة الدولار في الاحتياطيات الأجنبية لدى البنوك المركزية العالمية.
وستكون للعملات المشفرة دور أكبر في عالم ما بعد الحرب الحالية رغم التحديات الشديدة التي تواجهها ومحاولة بعض الدول عرقلتها ووقف انتشارها.
الاقتصاد سيصبح أقوى من أي سلاحٍ آخر:
في عالم ما بعد حرب أوكرانيا سيزيد الأغنياء غنى والمضاربون ثراء وجشعاً وهيمنة على موارد الدول وثرواتها، وسيتحمل الفقراء وحدهم تكاليف الحروب البشعة في صورة غلاء في المعيشة وقفزات في الأسعار والدين العام وعجز الموازنات وسوء في الخدمات ومنها الصحة والتعليم والبنية التحتية.
وستزيد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية داخل الدول النامية والفقيرة، وستقاتل الدول الغربية والصين للاستمرار في الهيمنة على الموارد العالمية.
سيكتشف العالم في مرحلة ما بعد أوكرانيا أن الحروب الاقتصادية باتت هي رأس الحربة في أي نزاع مستقبلي، وأن تلك الحروب هي العنصر الحاسم لأي نزاع، وأنها أكبر من قصة استهداف عملات وتجميد أموال وأصول وفرض عقوبات، بل تمتد لتضرب مفاصل اقتصادات الدول وتضع يدها على ثرواتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي، وتهدد ملكيتها الفكرية وثروتها التكنولوجية والبشرية.
كذبة انتهاء عصر النفط:
سيكتشف العالم بعد حرب أوكرانيا أن النفط والغاز لا يزالان يسيطران على قطاع الطاقة العالمي، وأنه غير صحيح قرب أفول عصر الوقود الأحفوري خاصة النفط، وأن دول تملك النفط والغاز تستطيع أن يكون لها دور كبير على الساحة الدولية حتى وإن لم يكن لها تأثير سياسي.