أكدت مجلة ”جون أفريك“، الفرنسية أن الغزو الروسي لأوكرانيا يسلط الضوء على الاعتماد الكبير لدول الاتحاد الأوروبي على روسيا في مجال الطاقة، مشيرة إلى إمكانية أن تحوّل أوروبا وجهتها نحو غاز القارة السمراء، التي قد تخرج المستفيد الأبرز في الحرب الحالية، وذلك في ضوء قدرتها على أن توفر الطاقة لأوروبا وتسمح لها بالتحرر من التبعية لموسكو.
واعتبرت ”جون أفريك“ أن أوروبا قد تستغني عن تبعيتها في مجال الطاقة لموسكو من خلال الاعتماد على القارة الأفريقية، إذ سيكون المجال أمام الدول الأفريقية المنتجة للغاز لاستغلال الفرصة حاليا.
من هذا المنطلق يمكننا أن نفهم كيف أن الاكتشافات الهائلة للغاز في موريتانيا، قد أسالت لعاب الغرب، وأقنعت بريطانيا بفتح سفارة لها في نواكشوط بعد 60 عاما من استقلال موريتانيا، وفتحت شهية شركات النفط والغاز العالمية.
ويتطلع الموريتانيون بلهفة إلى الوقت الذي سيكونون قادرين فيه على تصدير أول شحنة من الغاز المستخرج من المياه الموريتانية السنغالية، ويترقبون تلك الآفاق التي ستفتحها الثروة البترولية للشعب الفقير.
في الاتجاه المقابل، يشعر البعض بالقلق من أن تحل عليهم "لعنة الطاقة والثروات" التي تصيب كل دولة فقيرة وضعيفة، وتجعلها محط نظر ذئاب العالم من شركات الطاقة والدول الغربية.
السلحفاة آحميم... مليارات الأمتار المكعبة من الغاز:
تتجه الأنظار في الوقت الحالي صوب حقل "السلحفاة آحميم" في الحدود البحرية الموريتانية السنغالية والذي تقدر احتياطاته بأكثر من 450 مليار متر مكعب من الغاز.
وقد وقّعت الدولتان اتفاقا لاستغلاله مع شركتي "كوسموس إنيرجي" (Kosmos Energy) و"بريتش بوتروليوم" (British Petroleum)، والذي كان عليه أن يبدأ مع حلول 2022 قبل أن يتأخر لـ2023 بسبب تأثيرات الجائحة، ويتوقع أن ينتج في المرحلة الأولى سنويا 2.5 مليون طن من الغاز المسال.
وفي آخر تصريح له أمام البرلمان، أكد الوزير الأول الموريتاني أن نسبة إنجاز الأشغال في مشروع السلحفاة آحميم بلغت 70%، ومؤخرا أقر البرلمان قانون عقد إضافي على اتفاقية التعاون المشترك بين موريتانيا والسنغال المتعلق بتطوير واستغلال الحقل المشترك.
وهي شراكةٌ رغم ما عليها من مآخذ عند بعض المراقبين، لكنها حسب ما صرح به "مصطفى بشير"، المدير العام للمحروقات في وزارة البترول، تبقى الخيار الإستراتيجي الأمثل الذي بني على ضوء تجارب أخرى مماثلة في العالم كتلك الموجودة في بحر الشمال كحقل "فريغ" (Frigg) المشترك بين المملكة المتحدة والنرويج.
الشعب الموريتاني يترقب ويأمل:
في الوقت الحالي، يترقب الشارع الموريتاني الذي انتعشت آماله، استغلال حقول غاز موريتانية خالصة مكتشفة جنوبا، ويتصور في مخيلته ما ستحدثه من نقلة اقتصادية نوعية، حسب ما يمني به المسؤولون، ولكنه في الوقت نفسه قلق إزاءها، خوفا من أن تكون كالثروات الطبيعية التي سبقتها من ذهب وحديد ولم تنعكس عليه بشكل جلي.
كيف لا، وتشير التوقعات الاقتصادية إلى أن مشروع "السلحفاة آحميم" الكبير وحده سيدر مداخيل مهمة على خزينة موريتانيا تقدر بـ 100 مليون دولار سنويا في المرحلة الأولى من الإنتاج ليصل في المرحلة الثانية والثالثة إلى مليار دولار سنويا، إذ من المتوقع أن تتجاوز قدرة الإنتاج عتبة 10 ملايين طن سنويا، وهي مداخيل راهنت الحكومة على أنها ستغير من الواقع وتحدث تحولا في الاقتصاد الوطني.
ولكن يبقى التقيد بمبادئ "الحكامة (الحوكمة) الرشيدة" هو التحدي الأبرز والهاجس المسيطر على عقول المواطنين الذين يمنون النفس باستغلال أمثل لهذه الثروة وبشفافية لإنعاش اقتصادهم المنهك.
ويقول المدير العام للمحروقات "إن موريتانيا داخلة في مبادرة الشفافية العالمية ووفية بالتزاماتها وعهودها في هذا المجال وأن مسطرة منح العقود للشركات البترولية تمر بمساطر (إجراءات) قانونية واضحة وعن طريق مراسيم قوانين من مجلس الوزراء وطبقا لقانون محروقات الخام، وتنشر الاتفاقيات على مواقع الوزارة واللجنة الوطنية للشفافية في الصناعات الاستخراجية، بتفاصيلها وهي بذلك متوفرة للجميع للاطلاع عليها".
وأضاف أن تجربة موريتانيا بإنشاء الصندوق الوطني الخاص بمداخيل المحروقات كانت ناجحة وضامنة للشفافية إذ لا تخرج منه أوقية إلا بقانون المالية باتجاه الميزانية.ونظرا لموقع هذه الحقول الإستراتيجي وقربها من الاتحاد الأوروبي والقارة الأميركية، فإنه من المتوقع أن تصبح موريتانيا قطبا اقتصاديا مهما في المنطقة ووجهة مفضلة للمستثمرين، مما سيسهم في انتعاش الاقتصاد المحلي، والدفع بعجلة التنمية.
وتوفر شركات الغاز مئات فرص العمل للموريتانيين في عملية بناء مشروع آحميم للغاز البئر الأعمق في العالم، ووقعت الشركات العاملة فيه أكثر من 60 عقدا مع شركات محلية بقيمة 150 مليون دولار أميركي.
ويشهد ميناء الصداقة نواكشوط عملية نقل وتوزيع وتخزين المعدات والأنابيب المستخدمة في المشروع والتي من بينها 350 كيلومترا من الأنابيب، وهي حركة ستوفر دخلا للميناء يقدر بـ 25 مليون دولار.
لكن الكثير من الاقتصاديين في البلاد لا يتوقعون أن يكون لاستغلال الغاز تأثير قوي على الاقتصاد الموريتاني، ما لم يكن هناك دور فعّال للشركات المحلية واليد العاملة الوطنية، مؤكدين أنه سيحقق مداخيل معتبرة ولكن تبقى الشركات الأجنبية المستفيد الأكبر في ظل عجز موريتانيا عن استخراج ثروتها الغازية.