بدايةً من تعرقل الإمدادات بفعل الوباء وصولًا إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، الذي يشكل عنصراً مهماً في عملية الإنتاج، ثم العراقيل الإضافية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا؛ كل ذلك أفضى إلى مصبٍ واحد وتسبب بارتفاع باهظ في أسعار الأسمدة. مما يعني أنَّ المستهلك سيدفع مبالغ إضافية عن كلّ طبق يتم تناوله تقريباً.
يقول "بن ريينشي" الذي يزرع مساحة 16 ألف فدان في ولاية أيوا بالولايات المتحدة: "تعتقد أنَّ الناس يحتجون حين يرتفع سعر الوقود من ثلاث إلى أربع دولارات للغالون؟ انتظر لترى ما سيحدث حتى تصبح فاتورة البقالة تساوي ألف دولار شهرياً".
ما علاقة مشاكل روسيا بأزمة السماد العالمية؟
تعدّ روسيا من أكبر المصدّرين لعدد من أنواع الأسمدة منخفضة التكلفة. إذ يقول الخبير المخضرم في هذا المجال "ألكسيس ماكسويل" لـ"بلومبرغ": "لا توجد أي دولة أخرى لديها القدر نفسه من الأسمدة الجاهزة للتصدير"، مضيفاً أنَّ الأسمدة الروسية "تنتشر في كلِّ القارات".
وبالفعل؛ إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت أسعار اليوريا مؤخراً، وهو يعد السماد النيتروجيني الأكثر شيوعاً في مدينة نيو أورلينز بالولايات المتحدة، بنسبة 29% مقارنة بالأسبوع الماضي، في ارتفاع قياسي خلال 45 عاماً من مؤشر "غرين ماركتس".
ماذا يعني أن تتفاقم أزمة الأسمدة؟
بدايةً لا مناص من القول إن الأسمدة تلعب دوراً بالغ الأهمية، لدرجة أنَّ الفضل في تمكين الإنتاج الغذائي من مواكبة النمو السكاني العالمي، يعزى بشكل كبير لاكتشاف الأمونيا الصناعية قبل قرن من الزمن، وهو ما حرر البشر من قيود النظرية الـ"مالتوسية" التي تقول، إنَّ النمو السكاني يمكنه دهورة أسس المعيشة.
فمنذ قرن تقريباً؛ ارتفع عدد سكان كوكب الأرض من 1.7 مليار إلى 7.7 مليار نسمة، ويعود الفضل بذلك بشكل كبير إلى النمو الهائل في المحاصيل. ويرجح بعض الخبراء أنَّ عدد سكان العالم اليوم كان سيبلغ النصف لولا الأسمدة النيتروجينية.
وفي حال تعرقلت تجارة الأسمدة الدولية بشكل إضافي؛ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التكلفة على المزارعين حول العالم، مما سيقود بدوره إلى المزيد من التضخم في أسعار الغذاء. في وقت بلغت فيه أسعار الغذاء بالفعل معدلات قياسية حول العالم.
في هذا الصدد، يقول "أرلان سوديرمان"، كبير الخبراء الاقتصاديين في مجال السلع: "قد نضطر لتضييق إمدادات الأسمدة قبل الموسم الزراعي في أمريكا الشمالية، مما قد يؤثر على عام كامل من الإنتاج العالمي".
وقال "راينشي" المزارع، "إنَّها مسألة وقت قبل أن يتعرف الناس في باقي أنحاء أمريكا عن قرب على ديناميكيات أسعار سلعة طالما اعتبروها من المسلمات"، وأضاف: "ستواجهون واقعاً صادماً".
غلاءٌ فوق غلاء:
كانت أسعار الأسمدة ارتفعت بشكل كبير أصلاً بفعل أزمة الغاز في أوروبا، مجبرة العديد من المنتجين على خفض الإنتاج، أو حتى على الإغلاق في بعض الحالات. يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الشحن، وزيادة الرسوم الجمركية، وحالات الطقس المتطرفة، والعقوبات على بيلاروسيا، التي تسهم في خمس الإمدادات العالمية من سماد البوتاس الذي يستخرج من المناجم.
وفي أعقاب الغزو الروسي؛ سجل أكبر مستورد للأسمدة الزراعية في البرازيل، وهي الجمعية التعاونية للقهوة "ميناسول" (Minasul) مبيعات في يوم واحد، بقيمة 20 مليون ريال برازيلي (4 مليون دولار)، بحسب رئيس التعاونية ماركوس ماغالهايس.
في حين كانت التعاونية تبيع سابقاً ما يتراوح بين مليونين إلى ثلاثة ملايين ريال فقط من المواد الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية بشكل يومي.
وفي الولايات المتحدة، طلب المدعي العام في ولاية أيوا إجراء دراسة للسوق حول الارتفاع "غير المسبوق" في أسعار الأسمدة، فيما حذّر وزير الزراعة شركات الأسمدة وغيرها من شركات التجهيزات الزراعية من "الاستغلال غير العادل" للنزاع في أوكرانيا من أجل التلاعب بالأسعار.