تتعامل أغلب دول العالم مع العملات الرقمية بشكل عدائي واضح، ويستمر الضخ الإعلامي ضدها من جهات عديدة، فحتى الدول التي تدعي الانفتاح والتقدم تنظر للبيتكوين وأخواتها بعين الريبة والشك.
ودولة السلفادور هي الوحيدة التي تعترف بالبيتكوين كعملة رسمية، وتعتبر الولايات المتحدة وكندا هذه العملات قانونية، أما بقية الدول فإما تفرض قيودا على شرائها وبيعها مثل فيتنام وجورجيا، أو تعمل على قوانين للتحكم فيها مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي، أو تمنع التعامل مع تلك العملات بشكل حاسم مثل الصين وبنغلاديش.
وتنتمي أغلب الدول العربية إلى هذا التصنيف الأخير ومن ضمن هذه الدول العراق وقطر وعمان والمغرب والجزائر وتونس، أما مصر فهي لم تكتف بمنع العملات الرقمية، بل أفتى جامع الأزهر بتحريمها. (وقد أفتى علماء آخرون على أنها حلال)
والسؤال المحوري هنا: هل كل هذه القيود على البيتكوين هي خوفًا على المواطن وحرصًا على سلامته المالية، أم أن الدول ترى خطرًا آخر وراء الأمر ولا تفصح عنه علنًا.
بدايةً... كيف ينظر السوق العالمي إلى العملات الرقمية؟
في الواقع تواجه الأسواق المالية صعوبة في تحديد تعريف واضح لماهية العملات الرقمية من وجهة نظر اقتصادية، فلا يمكن أن نسميها عملات ونقارنها بالعملات الوطنية، ولا يمكن أن نقول إنها أسهم أو سلع أو سندات.
وقد يرى بعضهم أنه من الصعب مقارنة أسهم الشركات بالعملات الرقمية المشفرة، إذ أن هناك استخداما واضحا وقيمة متفقا عليها لتلك الأسهم.
ويجادل مستثمر العملات الرقمية أنه يمكن قول المثل على العملات الرقمية المشفرة. فالإيثيريوم مثلًا، أتاح حل لمشكلة استبيان أصلية الفن الرقمي من عدمها بتقنية الـ NFT.
ويرى آخرون أن العملات الرقمية تبعدهم عن مخاطر خسارة النقود التقليدية لقيمتها نتيجة للتضخم.
أكثر ما يستفز الحكومات في مفهوم العملات الرقمية:
ربما يكمن السبب الأساسي وراء العداء الظاهر تجاه عالم الكريبتو، في أن هذه العملات الرقمية المشفرة تنتمي إلى نظام غير مركزي، يقع خارج سيطرة الحكومات، والبنوك المركزية، وشركات الأموال الكبيرة.
ويسمى هذا النظام بالاقتصاد غير المركزي أو "ديفاي" Defi. وهو نظام معزز بمئات من تطبيقات الصرافة الرقمية، وآلاف العملات الرقمية ونسب فائدة وإقراض.
في هذا الصدد، يقول الباحث الاقتصادي "كولين ستون" في حواره مع وكالة "بي بي سي عربي"، أنه من المنطقي أن تحارب الدول العملات الرقمية، "فالبنوك المركزية، والاقتصاد الرسمي هم من يتحكم في العرض والطلب والسعر ونسب الفائدة. ثم تأتي العملات الرقمية لتبين أنه يمكن إقامة نظام مثل هذا بدون متحكم".
ببساطة فالعملات الرقمية تظهر للجميع أنه يمكن وجود نظام مالي كامل ومؤهل لأن يحل بدل النظام التقليدي، بل إنه أفضل منه من نواحي عدة، وفوق كل هذا يقع خارج سيطرة الحكومات والبنوك المركزية.
العملات الرقمية الرسمية... إن لم تتغلب عليهم حاول اللعب معهم:
وفقًا لمشروع تعقب العملات الرقمية الرسمية لمنظمة المجلس الأطلسي للتنمية، فإن 68 دولة حول العالم تعمل على تطوير عملاتها الرقمية المركزية، ومن ضمنها الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة. بينما طرحت 23 دولة بالفعل عملتها الرقمية، مثل الصين والسويد وسنغافورة وماليزيا.
وبالنسبة للدول العربية فإن السعودية والإمارات في مرحلة تجربة العملات الحكومية الرقمية، بينما لا تزال البحرين تعمل على تطوير نظام عملاتها الرقمية. كما بدأت كل من تونس والمغرب مرحلة البحث.
أما مصر، فتعطل مشروعها، بعد وصول نتائج البحث للتحول للعملات الرقمية إلى نتيجة مفادها أن أكثر من 80 في المئة من المواطنين لا يتعاملون مع البنوك.
ويفسر الباحث الاقتصادي "ستون" اتجاه الحكومات المختلفة نحو العملات الرقمية الرسمية بالشكل التالي:
إن شراء العملات الرقمية المشفرة وتبادلها يتم من خلال تطبيقات صرافة رقمية عديدة، ولا يمكن تطبيق منع الدول لهذه المعاملات بشكل كامل، وهو الشيء الذي ربما أدركته الحكومات المانعة.
وهكذا فقد ظهر اتجاه جديد في تبني الدول لنظام عملات رقمية رسمية مركزية، ولا يعني ذلك مجرد الاعتماد على بطاقات الائتمان والحسابات الإلكترونية في مقابل النقود الورقية والمعدنية، بل يعني تغييرا جذريا في منظومة النقود بشكل عام.
من جانبٍ آخر يصف البعض العملات الرقمية الحكومية بـ "المشروع الساذج"، لأن الأصل والأساس في العملات الرقمية المشفرة أن تكون لا مركزية، وإلا ما الفائدة من عملة رقمية ستكون الحكومة قادرة بواسطتها على تتبع سجلك المالي من الألف إلى الياء...؟!