بالغت الحكومة السورية في استخدام عقوبة الحجز الاحتياطي ضد آلاف التجار والصناعيين، خلال الفترة الأخيرة. حيث اتهمها البعض أنها تفعل ذلك "بهدف جباية الأموال ورفد خزينته المفلسة بإيرادات تخفف من حدة الأزمات المالية الحكومية."
ويُعرّف الحجز الاحتياطي بأنه: وضع مال المدين تحت يد القضاء، لمنعه من القيام بأي عمل قانوني أو مادي من شأنه أن يؤدي إلى استبعاده أو استبعاد ثماره من دائرة الضمان العام للدائن الحاجز.
ويحذر الخبراء من أن استخدام آلية الحجز الاحتياطي في الأوساط الاقتصادية ستؤدي إلى هروب مزيد من رؤوس الأموال والاستثمارات من البلاد التي تكتوي بنيران الحروب منذ سنوات.
وفي حين قدر مركز دمشق للأبحاث "مداد"، حجم الأموال السورية المهربة، بما يناهز 160 مليار دولار، تقول الباحثة السورية "رشا سيروب"، إن حجم الأموال التي هربت، بعد عام 2011، إلى أربع دول فقط (مصر، تركيا، لبنان والأردن) تقدر بنحو 35 مليار دولار، مضيفة خلال تصريحات سابقة أنه يصعب على جه الدقة تحديد قيمة الأموال المهربة.
خسارة للبلد قبل أن تكون خسارة للتاجر:
يحذر المفتش المالي السابق "إبراهيم محمد"، من تمادي الحكومة باستخدام "عصا الحجز الاحتياطي" لأنها ستزيد في هروب من تبقى من رجال أعمال ومستثمرين بسورية، خاصة أنها برأيه لا تستند بمعظمها إلى مبررات الحجز.
وقال المفتش المالي: "يتم اتخاذ بعض المبررات الكيدية أو بسبب عدم استجابة رجل الأعمال السوري للابتزاز أو الضرائب الظالمة بمفاعيل رجعية"، لافتاً إلى أن الحجز لا يتم رفعه إلا بدفع مبالغ مالية على شكل مصالحة مع وزارة المالية.
ثم يستدرك المفتش السابق بجهاز الرقابة المالية قائلًا: "لا يجوز المصادرة أو التصرف بالمال أو الممتلكات المحجوز عليها احتياطياً، إلى بعد صدور قرار من المحكمة، كما لا يسمح بالتصرف بالأموال المحجوزة من قبل الجهة المحجوز عليها، إلا بصدور قرار قضائي، بالبراءة أو تسديد المبلغ المطلوب."
ولكن على أرض الواقع بسورية، ومنذ سنوات، لا يتم التعامل وفق القوانين، كما تتم عمليات حجز احتياطي "لأسباب سياسية" بتهم جاهزة، منها "معاداة أهداف الدولة" أو "التعامل مع جهات خارجية" أو "معاداة النظام الاشتراكي".
وحول عدد قضايا الحجز الاحتياطي بسورية، يقدر المفتش المالي أنها "بمئات الآلاف" منذ عام 2011، مشيرا إلى تصعيد لحالات الحجز خلال العامين الأخيرين" ففي النصف الأول من العام الماضي فقط، تم إصدار نحو 2000 قرار حجز احتياطي، منها 800 بحق رجال أعمال.
وكان رئيس إدارة قضايا الدولة بسورية "صلاح ونوس"، قد أكد أن إجمالي مبالغ الحجز الاحتياطي التي حصلتها الدولة خلال العام الماضي بلغت نحو 19 مليار ليرة تقريباً، ومليون ونصف المليون دولار، و30 ألف يورو، و1007 ريالات سعودية وذلك من أصل 115 مليار ليرة هي قيمة المبالغ المحكوم فيها لصالح الدولة خلال عام 2021.
ويضيف "ونوس" خلال تصريحات نقلتها منذ أيام صحيفة "البعث"، أن الإدارة تابعت خلال 2021 أكثر من 269 ألف دعوى، فصل منها 83 ألف دعوى، مبيناً أن أكبر نسبة دعاوى تتابعها إدارة قضايا الدولة تعود للجمارك.
تلفيق الاتهامات:
يقول رجل الأعمال السوري والصناعي "محمد النحاس"، المحجوز على أمواله منذ عام 2015 أن حكماً قضائياً لم يصدر حتى الآن، لكن شركته المختصة بالصناعات النسيجية بحلب، تسيطر عليها "قوات أمنية" منذ القرار الذي تلا سفره من سورية.
ويفرّق النحاس خلال حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، أن بعض المحجوز على أموالهم "كبار رجال الأعمال" تم التصرف بممتلكاتهم، سواء عبر البيع بالمزاد العلني أو وضع اليد، إذ تم منح المنازل لـ "قوات عسكرية وأمنية" ووضع اليد على الممتلكات "سيولة أو موجودات ثابتة".
ويكشف النحاس أن "مطرقة" الحجز الاحتياطي زاد استخدامها خلال العامين الأخيرين بشكل هائل، فكل صناعي أو رجل أعمال لا يمتثل لدفع الإتاوات، يتم تلفيق تهمة له سواء تهرب ضريبي أو تمويل المستوردات من الخارج، فيتم الحجز على الأموال والممتلكات، ولا طريقة سوى المصالحة ودفع الملايين لوزارة المالية أو "وصل دفع للمصرف المركزي".