لم تعد الأزمة الاقتصادية في تونس خلال الفترة الأخيرة عبارة عن مجرد تصريحات قلقة أو بيانات سلبية، وبغض النظر عن وضع الشعب المتردي بالفعل من قبل الأزمة، فقد تزايدت حدّة المخاوف بشكل جدي من عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مواطنيها.
وجاء ذلك بعد التأخير القياسي الحاصل في صرف أجور الموظفين العموميين، وسط تحذيرات من هشاشة الوضع المالي للبلاد واقترابها من حافة الإفلاس، مما دفع الناس إلى الاحتجاج والتظاهر.
ورغم تأكيد وزيرة المالية "سهام البوغديري نمصية"، بأن الحكومة قادرة على دفع أجور الموظفين في القطاع العام، إلا أن خبراء الاقتصاد دقوا ناقوس الخطر وحذروا من مغبة اللجوء إلى "حلول ترقيعية" لتأمين نفقات الدولة ومنها الأجور، على غرار استخدام المساعدات الخارجية أو التعويل المفرط على الاقتراض الداخلي.
ضريبة على التأخير:
في تصريحات لوكالة إعلام روسية، قال عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي "أحمد المهوك"، إن ما حصل جعل الموظفين العموميين في حالة من الحيرة والقلق، خاصة وأن التأخر في صرف الأجور بلغ مستوى غير مسبوق، بعد أن تجاوز عشرة أيام.
وانتقد "المهوك" السياسة الاتصالية غير الموفقة للحكومة، مستنكرا عدم تقديم وزارة المالية أي توضيح للموظفين الذين لم يتم إعلامهم بشكل مسبق بالتأخر في صرف جراياتهم (رواتبهم). واعتبر أن ظهور وزيرة المالية كان متأخرا ويندرج في إطار التبرير.
ولفت "المهوك" إلى أن الموظفين يتكبدون خسائر هامة نتيجة تأخر الحكومة عن صرف أجورهم، مشيرا على أن العديد منهم مرتبطون بالتزامات مالية مع البنوك التي تقتطع منهم مبالغ هامة بسبب تأخرهم عن سداد أقساط القروض، قائلا "صرنا نقتسم أجورنا مع البنوك".
وأضاف "هذا التأخير المتكرر هو دليل قاطع على عمق الأزمة التي بلغتها تونس نتيجة السياسة الخرقاء للعشرية السوداء وما تعرضت له البلاد من تدمير ممنهج للاقتصاد وللمالية العمومية".
وتابع "هذه السلطة التي بشرت الناس في 25 يوليو/ تموز بإنقاذهم وتحسين معيشتهم عليها أن تفي بوعودها وأن تحولها إلى واقع ملموس بعيدا عن الشعارات التي لا تطعم الجوعى ولا تشفي المرضى".
إجراءات حكومية ترقيعية لا ترقى لأن تسمى حلولًا:
أكد الخبير الاقتصادي "معز الجودي" في حديثة للوكالة الروسية ذاتها، أن الدولة أصبحت تواجه صعوبات كبيرة جدا في تجميع رواتب الموظفين في القطاع العام.
وقال: "إن حجم الأجور في الوظيفة العمومية يساوي تقريبا 1.8 مليار دينار شهريا، وما يعادل 21.5 مليار دينار سنويا، وهو مبلغ ضخم جدا يفوق طاقة خزينة الدولة، ولذلك فإن الحكومة أصبحت تلتجأ كل شهر إلى الاقتراض الداخلي والخارجي".
وأضاف أن الحكومة لجأت إلى حلول ترقيعية لتأمين أجور شهر يناير/كانون الثاني، أولا عن طريق إعادة تمويل البنوك الداخلية بشراء سندات الخزينة بضغط من البنك المركزي، وثانيا من خلال استخدام القرض الذي تسلمته تونس من الجزائر بقيمة 300 مليون دولار.
وشدد "الجودي" على أن القروض مخصصة بالأساس لتمويل المشاريع والتنمية ولدفع الاستثمار وليس لسداد الأجور، قائلا إن الدولة أصبحت تقترض إما لسداد أجور قديمة أو لصرف الجرايات (الرواتب)، وهو أمر خطير، وفقا لقوله.