بعدما حقق مكاسبًا مجزية ناهزت 25% في عام 2020، ارتد الذهب عن اتجاهه الصاعد في 2021 ليهبط بنسبة 5%، وسط عوامل ضاغطة تضمنت سرعة تعافي الاقتصاد العالمي وتحسن الثقة بعد اكتشاف التطعيمات وميل المستثمرين نحو المخاطرة في أسواق الأسهم والعملات الرقمية.
وعلى مدار عام 2021 حاول الذهب استعادة تلك المستويات المرتفعة القياسية ولكن دون نجاح، على الرغم من أنه بدأ العام عند 1900 دولار للأونصة.
تلك كانت نبذة مختصرة عن سلوك المعدن الثمين في العام الماضي، أما في 2022 فيمكن أن نميز 3 عوامل رئيسية سيكون لها الكلمة العليا في تحديد اتجاه الذهب خلال رحلته الصعبة هذا العام.
أولًا: التضخم... عامل دعم قوي لا يستهان به
يرى بعض المحليين من أنصار ارتفاع الذهب، أنه إذا بدأ التضخم بالفعل في الظهور بشكل أكبر على الصعيد العالمي واتضح أنه أكثر ثباتًا، فقد يدعم ذلك حقًا ارتفاع الذهب على المدى الطويل.
وسيستفيد الذهب أيضًا من المعدلات الحقيقية السلبية للفائدة، والتي لن تتلاشى حتى مع إنهاء البنك الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة ورفعها مرتين في العام المقبل.
ذلك أن المعدلات الحقيقية السلبية لطالما ظلت مصدر دعم حقيقي للذهب، ولن تكون الزيادات المعتدلة في معدل سعر الفائدة كافية لتحويل المعدلات الحقيقية إلى إيجابية.
باختصار، إن الأسواق حاليًا تقوم بترقب زيادتين للأسعار في العام المقبل، ولكننا بحاجة إلى التفكير في المعدلات الحقيقية قصيرة الأجل وطويلة الأجل التي أصبحت أكثر سلبية. لذا فإن الدوافع الرئيسية للذهب للعام المقبل ستكون الفائدة الحقيقية السلبية وتوقعات التضخم.
ملاحظة: معدل الفائدة الحقيقية هو معدل الفائدة الاسمي مطروحًا منه نسبة التضخم.
في هذا الصدد، توقع "ديفيد لينوكس"، وهو المحلل لدى شركة "فات بروفيتس" لإدارة الأموال، أن يبلغ الذهب المستوى المرتفع الجديد 2100 دولار للأونصة هذا العام.
وقال في حوار مع "سي إن بي سي" إن ضعف الدولار والتضخم هما من العوامل التي من المرجح أن تعزز سعر المعدن الثمين.
وأضاف "لينوكس" قائلاً: "نعتقد أنه على مدار عام 2022، سنشهد اختبار الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق، لكننا لا نعتقد أنه سيتجاوزه بكثير بمجرد وصوله إلى هذا السعر."
أما بالنسبة لأعلى مستوى وصله الذهب على الإطلاق في تاريخه، فكان في أغسطس/ آب 2020، حينما أغلقت أسعار الذهب عند مستوى قياسي بلغ 2063 دولاراً، وفقاً لمزودة البيانات "إيكون".
ثانيًا: طبول الحرب التي تقرعها روسيا
هدد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" باتخاذ ما اسماه بـ "الإجراءات العسكرية والتقنية المضادة المناسبة" في حال استمرار الغرب في اتباع ما وصفه بـ "نهج عدائي" ضد روسيا.
وقال الأمين العام لحلف الناتو إن هناك إمكانية حقيقية لنشوب مواجهة، بينما قال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إنه يتوقع أن تجتاح روسيا الحدود الأوكرانية.
وتؤكد أوكرانيا بأن روسيا أرسلت دبابات ومدفعية وقناصة إلى الجبهة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. لكن وجود 100 ألف جندي روسي على مقربة من الحدود الأوكرانية هو الأمر الأكثر إثارة للقلق.
ورغم أن بوتين لم يكشف عن نية بلاده غزو أوكرانيا، لكن أجهزة المخابرات الغربية وكذلك الأوكرانية، تعتقد أن ذلك قد يحدث في أي لحظة.
على أي حال، وبالعودة إلى موضوعنا حول أسعار الذهب، فيمكن القول إن الهروب نحو الذهب كملاذ آمن سيبدأ بالتفاقم بمجرد زيادة توترات وبوادر الحرب، بغض النظر عن نشوب هذه الحرب أو لا.
السبب وراء ذلك أن رأس المال جبان، فالمستثمر لن ينتظر نشوب الحرب فعليًا لكي يهرب بأمواله إلى أصل مالي آمن كالذهب، بل سيفعل ذلك مع استشعار أي خطر حقيقي.
من هذا المنطلق يمكننا التأكيد ببساطة أن طبول الحرب التي تقرع، ستوقظ الذهب من سباته الطويل خلال العام الماضي، وقد نرى الذهب يحقق مستويات تاريخية جديدة في حال حصول أي تطورات حقيقية.
ثالثًا: شبح الفائدة المرتفعة... المهدد الوحيد للذهب
إذا أردنا الاستماع إلى رأي أنصار هبوط الذهب، سنجد أنهم يتحدثون بالدرجة الأولى عن تهديد الفائدة المرتفعة، وهم محقون نسبيًا في ذلك، وإن كان كلامهم يتلقى انتقادات عديدة كما أسلفنا الذكر في فقرة التضخم.
في هذا الصدد، توقع محللون ومتخصصون كانت قد التقت معهم وكالة أنباء عربية شهيرة، استمرار الضغوط على أسعار الذهب خلال عام 2022، وسط تغيير جذري في السياسات النقدية من قبل البنوك المركزية ورفع أسعار الفائدة، مما يقلل جاذبية الذهب.
ومن شأن خفض التحفيز ورفع الفائدة دفع عائدات السندات الحكومية للارتفاع، مما يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لشراء الذهب الذي لا يدر عائدا.
وفي سياقٍ متصل، توقع بنك الاستثمار الهولندي "إيه.بي.إن امرو"، تراجع أسعار الذهب في 2022، بنسبة 16%، فيما ذهب "دويتشه بنك" إلى ما أبعد من ذلك فتوقع تراجع أسعار الذهب إلى 1500 دولار للأونصة في العام الجديد، ليتراجع بعدها إلى 1300 دولار في عام 2023.
وتوقع رئيس قسم الأبحاث في Equiti Group، "رائد الخضر"، أن يتعرض الذهب لضغط كبير من تشديد السياسات النقدية، وبالتالي تسجيل هبوط في المعدن الأصفر.
وقال "الخضر" إن الارتفاعات التي شهدها الذهب هي ارتفاعات تضخمية، وسط تدفقات نقدية أقل على الصناديق المالية المتداولة بالذهب، مرجحا أن تهبط الأونصة عن 1750 دولارا في أول شهرين من العام الحالي.