حينما أعلن "مارك زوكربيرغ"، قبل بضعة شهور، عن تغيير اسم الشركة الأم لمنصات التواصل الاجتماعي إلى "ميتا" (Meta) -من أجل المساعدة في إنشاء عالم رقمي بديل يُعرف باسم "ميتافيرس" (Metaverse)- تعرض لموجة من السخرية، إذ اعتقد البعض أنه كان يتعمّد إثارة الجدل لصرف الانتباه عن الضجة السياسية القائمة آنذاك، في حين ظن آخرون أن هذا الملياردير لا يزال يطارد أحلام الطفولة.
لكن الأمر لم يلبث طويلًا حتى تحول إلى واقعٍ مفروض؛ فالميتافيرس حاليًا – وإن كان في بداياته – يتطور أسرع مما كان يتصور الجميع، إذ يبدو أن العالم فهم الدرس جيدًا منذ استخفافه بالعملات الرقمية التي أصبحت بين ليلة وضحاها أصلًا ماليًا لا يقل أهمية عن الدولار أو الذهب.
عمالقة التكنولوجيا يركبون الموجة... لا أحد يرغب بالوصول متأخرًا:
قالت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية -في تقرير لها- إن عمالقة تكنولوجيا آخرين مثل شركة "مايكروسوفت" يخططون للنسج على منوال الميتافيرس، ولكن الشركات الكبرى وحدها التي لا تزال تخضع لسيطرة مؤسسيها لديها حظوظ أوفر بأن تصبح رائدة في هذا المجال.
وعلى رأس هذه القائمة – بالطبع - يوجد "مارك زوكربيرغ"، الذي يبلغ صافي ثروته 125 مليار دولار ويسيطر بشكل شبه كامل على شركة تقدر قيمتها السوقية بنحو 908 مليارات دولار.
نجد أيضًا "جين سون هوانغ"، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" المتخصصة في إنتاج معالجات الرسوميات- التي تبلغ قيمتها السوقية 722 مليار دولار.
هذا إلى جانب "بوني ما"، الرئيس التنفيذي لشركة "تينسنت" (Tencent) التكنولوجية الصينية العملاقة التي تبلغ قيمتها السوقية 550 مليار دولار، الذي تشتمل محفظته الاستثمارية في مجال الألعاب حصة 40% في شركة "إيبك غيمز" (Epic Games) التي تمتلك لعبة "فورتنايت" (Fortnite)، وهي واحد من أشهر الألعاب في العالم.
ويضاف إلى القائمة أيضًا "تيم سويني" مؤسس شركة إيبك غيمز، الذي أخبر وكالة "بلومبرغ" مؤخرًا أن ميتافيرس مثلت فرصة تقدر بمليارات الدولارات، وأن الشركات -مثل شركته- كانت تتسابق للوصول إلى مليار مستخدم من أجل تحديد معايير ميتافيرس المستقبلية.
معركة أشبه بسباق غزو الفضاء:
ذكرت المجلة البريطانية أن معركة المليارديرات على الميتافيرس في طريقها إلى أن تصبح مثل سباق غزو الفضاء بين "بيزوس" و "ماسك"، ولكن بدلا من التنافس في علوم الصواريخ سيتنافسون في صناعة سماعات رأس الواقع الافتراضي و"البلوكتشين" والعملات المشفرة والقدرات الحاسوبية.
وتساءلت المجلة، هل سيكون هناك عالم مستقبلي مستهلك بالكامل للواقع الافتراضي، و"الأفاتار" (Avatar)، والقصور المطلة على المحيط وغيرها من الألعاب الإلكترونية التي ستجعل العالم الحقيقي مكانًا مملا بالمقارنة بالعالم الافتراضي؟ أم سيكون الميتافيرس مجرد نسخة أكثر ثراء وتأثيرا لواقعنا الحالي، أي وسيلة للتواصل الاجتماعي والعمل والتسوق واللعب عبر الإنترنت حتى مع استمرار نسق الحياة في العالم الحقيقي كالمعتاد؟
أوردت المجلة أن إلقاء نظرة على طموحات أصحاب شركات ميتا وإنفيديا وإيبك وتينسنت يعطينا فكرة عن نطاق هذا المشروع. على سبيل المثال، خصص زوكربيرغ 10 مليارات دولار هذه السنة لتطوير سماعات رأس ونظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز التي يأمل أن توفر نقطة وصول مهيمنة إلى ميتافيرس، مثلما تفعل هواتف "آيفون" التي تصنعها شركة "آبل" مع ويب المحمول.
هل تقضي الميتافيرس على مفهوم الهواتف المحمولة؟
في المستقبل القريب على الأقل ستبقى الهواتف الذكية، ولكن علينا أن نعرف أنها غير مصممة للمساحات الثلاثية الأبعاد، كما هو الحال في الميتافيرس، وهذا هو السبب في أن جميع شركات التكنولوجيا الكبرى تستثمر بكثافة في تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزز، فالمستقبل لها بكل تأكيد.
ويقول الخبراء إن السباق هو من أجل بناء تجارب ستجلب المعلومات إلى أمام وجهك، ولكن هذا يعني أيضا التركيز على تصنيع وإنتاج مجموعة جديدة من الأجهزة التي تختلف كثيرا عن الهواتف الذكية العادية التي نعرفها، وفي الحقيقة: من سيحتاج إلى الهواتف الذكية في المستقبل حين نبدأ بالعيش والتواصل والاتصال داخل الميتافيرس؟
يقول "ساي كريشنا" المؤسس المشارك لشركة سكابك الهندية للواقع المعزز: "سنشهد في السنوات الخمس المقبلة سباق تسلح محموم بين شركات التكنولوجيا هدفه إنتاج أجهزة جديدة للوجه تختلف تماما عن الهواتف الذكية، وسيتعايش الواقعان الافتراضي والمعزز معا ليكمل كل منهما الآخر".
ويضيف: "في الفترة الزمنية القريبة ستصبح الخطوط أكثر ضبابية بين ماهية الواقع الافتراضي والميتافيرس.. إنه مشابه جدا للتناظر الواقع حاليا بين الكمبيوتر المحمول والاتصال بالإنترنت".
ماذا عن خصوصيتنا؟
إن البيئة الرقمية الغامرة التي سيخلقها الميتافيرس تبدو مثيرة ورائدة من نوعها، ولكن لها تحدياتها الخاصة أيضا، وبالذات في مجال الخصوصية، علما أن الإعلانات ستكون مصدرا أساسيا للدخل فيها.
وفي بيئة غامرة مثل هذه لا تتوقع أن يبقى لك أي خصوصية من أي نوع، فبيانات الواقع الافتراضي هي بيانات بييومترية، وسيتم تسجيل كل حركة للبشر داخل هذه البيئة، وهو الأمر الذي يشبه "الحصاد العالمي" لجميع الخصائص الشخصية والسلوكية للبشر، وهو ما سيجعل الناس عرضة لكثير من الجرائم الإلكترونية، أكثر بكثير مما هو موجود حاليًا.