انخفضت الليرة التركية طوال الأسابيع السابقة حتى وصل سعر صرفها مقابل الدولار يوم الاثنين الماضي لمستوى غير مسبوق، ليتجاوز سعر الدولار 18 ل. ت، ثم ارتد سعر صرف الدولار إلى مستويات 13 ليرة في تداولات اليوم الثلاثاء.
تحدث كل هذه التقلبات في ظل ما تقول الحكومة إنه حرب اقتصادية تخوضها ضد أسعار الفائدة، بالتوازي مع إقبال كبير من الناس على شراء الذهب الأصفر للتحوط من انهيار الليرة التركية.
ويأتي هذا التراجع المتوقع ضمن الخطة الاقتصادية التي يتبناها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في خفض أسعار الفائدة.
ما هو المنطق الذي يتبعه "أردوغان"؟ وما السيناريوهات المحتملة جراء كل سياسة؟
النظرية الاقتصادية السائدة
تستطيع البنوك المركزية التدخل في اقتصاد دولتها لتدفعه في أحد طريقين؛ التوسع أو الانكماش. وتستخدم لذلك عدة أدوات: كعمليات الشراء المفتوحة في السوق للسندات والتحكم في النسبة التي يجب أن يجمدها البنوك من كل مبلغ مودع عندهم، وسعر الفائدة المسؤولة عنه لجنة السياسة النقدية.
تنص نظريات علم الاقتصاد الحالية أن رفع سعر الفائدة هو خيار جيد لخفض التضخم الحاصل في الدولة والعكس بالعكس. حيث أنه -حسْب هذه النظرية- عندما ينخفض معدل الفائدة فسيرغب الناس على المستوى الفردي والتجاري بالاقتراض أكثر مما يعني سيولة مالية أكبر في السوق والتي ستؤدي إلى طلب أكبر في المنطقة وبالتالي زيادة الأسعار وبالتالي التضخم. وإن كنت تريد خفض التضخم فعند زيادة الفائدة سيحجم الناس عن الاقتراض وسيميلون لوضع أموالهم في البنوك مما يقلل السيولة في المنطقة والذي سيعني الحد من التضخم.
والحقيقة أن التحليلات البيانية تدعم ذلك كما سترى في المخطط التالي من موقع Investopedia والذي بيَّن العلاقة بين نسبة الفائدة "Federal Funds Rate" وبين متوسط سلة المستهلك "Core CPI" على مدى عدة سنوات.
ماهي نظرية أردوغان إذن؟
يوضح الصحفي التركي "Cemil Ertem" في مقالته - في صحيفة "Daily sabah" - أن النظرية التي يتبعها أردوغان هي أصل المعادلة التي قدمها الاقتصادي المشهور "fisher" في القرن السابق والتي تقول إن زيادة الفائدة الاسمية سيؤدي لزيادة التضخم على المدى الطويل.
النظرية الاقتصادية التي يتَّبعها ويفسرها اردوغان في أساسها تشرح أن خفض الفائدة سيجعل اقتصاد تركيا اقتصادا حقيقيا قويا قائما على الإنتاج الملموس، بدلا من أن يكون اقتصادا ريعيا قائما على الفوائد في البنوك.
لاحظ أن خفض سعر الفائدة سيدفع الناس التي كانت قد وضعت مالها في البنوك للاستفادة من الربا الذي ستأخذه في نهاية فترة الإيداع، لكن بعد خفض الفائدة ستسحب هذه الأموال لأن استثمارها في مشروع حقيقي في السوق سيكون مربحا أكثر من النسبة القليلة التي يقدمها البنك، وبالتالي مشاريع حقيقية أكثر وأكبر تساهم في رفع الناتج المحلي الحقيقي.
ولكن سيكون لذلك أثر سيء على الشعب خلال المدى القصير، وهذا ما يعيه "أردوغان" فقد وصفها بـ "حرب الاستقلال الاقتصادي" مشيرا إلى سعيه للتخلص أيضا من لوبي الفائدة في تركيا.
الدولة التركية لن تسمح للفائدة "بسحق المواطنين":
صرح "أردوغان" في وقت سابق " سينخفض التضخم عاجلا أم آجلا، فمثلما خفضنا التضخم إلى 4% عندما وصلنا إلى السلطة، سنجعله ينخفض مرة أخرى، ولن أسمح لأسعار الفائدة بسحق المواطنين"
وقال اتحاد المصارف في بيان "ستواصل بنوكنا استخدام مواردها لتلبية الاحتياجات المالية للأسر وقطاع المعاملات الحقيقي ضمن آلية السوق الحرة".
جنبا إلى جنب قرر أردوغان الخميس الماضي رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا بنسبة 50% ليرتفع إلى 4250 ليرة تركية بداية من العام المقبل. بالإضافة إلى عدة إجراءات سيتم اتخاذها في الأيام المقبلة.
يشار إلى أن الفائدة - الربا- من الكبائر في الإسلام. فالاقتصاد الإسلامي يقوم على الاقتصاد الحقيقي والتيسير للناس.