"بدايةً، إن نورد ستريم 2" أو "السيل الشمالي 2"، هو مشروع لنقل الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق بأنبوب مزدوج يتجاوز طول كل فرع منه 1200 كيلومتر، وبذلك يكون أطول خط أنابيب تحت مياه البحر في العالم.
وأعلنت شركة "غاز بروم" (Gazprom) الروسية للطاقة عن المشروع في 2017، وبدأ العمل عليه في 2018 بميزانية حددت آنذاك بنحو 8 مليارات دولار.
وبحسب الشركة، يستطيع الخط نقل كمية سنوية من الغاز تبلغ نحو 55 مليار متر مكعب، أي أنه قادر على تلبية كامل الحاجة الأوروبية للوقود الأزرق.
ولهذا، تتصدر أوكرانيا والولايات المتحدة مشهد المعارضين لهذا المشروع، فهي إلى جانب عامل الخسارة الأوكرانية منه ترى أنه سيحكم سيطرة روسيا على سوق الطاقة في أوروبا، وسيستخدم لاحقا لأهداف جيوسياسية.
وعرقلت واشنطن المشروع شهورا عديدة بفرض عقوبات على الشركات المنفذة والمشاركة في بنائه، لكنها رفعتها بُعيد انتخاب الرئيس "جو بايدن" بحجة أن المشروع "بات أمرًا واقعًا".
وبحسب مراقبين، فقد سعى بذلك "بايدن" إلى تحسين علاقات بلاده مع برلين بعد أن ساءت في ظل حكم سابقه "ترامب"، لكنه اشترط تقديم ضمانات ألمانية لكييف بعدم استخدام روسيا المشروع للضغط على أوكرانيا.
مشكلة أوكرانيا الكبرى مع هذا الخط:
رغم أن أوكرانيا كانت الدولة الثانية في الاتحاد السوفياتي السابق من حيث مصادر الطاقة والقدرة على إنتاجها وورثت عنه كثيرا من المحطات والمناجم، فإن الطاقة اليوم جرح عميق في اقتصادها المتعثر تضع روسيا عليه الملح كلما أرادت الضغط.
ولكي ندرك حجم هذا الإرث يكفي أن نعرف أنه لدى أوكرانيا 4 محطات للطاقة النووية (بعد أن خرجت محطة تشرنوبل من الخدمة عام 1986)، وعدد كبير من محطات توليد الطاقة الحرارية والكهربائية، ومحطات لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهري دنيبر ودنيستر، ومناجم كثيرة من الفحم كانت تقدم المواد الخام لتوليد الطاقة الحرارية والكهربائية.
هذا بالإضافة إلى أن أوكرانيا ورثت عن الاتحاد السوفياتي ثاني أكبر شبكة لنقل وتوزيع الغاز في أوروبا، بعد روسيا، وهي شبكة تضم نحو 37.1 ألف كلم من الأنابيب الرئيسية، مع 72 محطة للضغط، و13 منشأة للتخزين تحت الأرض بقدرات استيعابية تبلغ نحو 32 مليار متر مكعب، أي ما يعادل نحو 21.3% من الحاجة السنوية للغاز في عموم القارة الأوروبية.
ومع ذلك، وإلى جانب أزماتها السياسية يئن اقتصاد أوكرانيا اليوم من أزمات الحاجة إلى الطاقة عموما، وإلى الغاز والفحم على وجه الخصوص، ولا سيما بعد أن تدهورت علاقات البلاد مع روسيا منذ 2014.
واليوم أيضا، تقف أوكرانيا على أعتاب "كارثة اقتصادية" كما يصفها مسؤولون، وذلك بسبب مشروع "نورد ستريم 2" (Nord Stream 2) لنقل الغاز.
ويتجاوز الخط الروسي الألماني -بشكل تام- شبكات النقل الأوكرانية، ويهدد كييف بخسارة نحو مليارين إلى 3 مليارات دولار سنويا من رسوم العبور.
وهكذا، يهدد إطلاقه بتحويل شبكات نقل الغاز في أوكرانيا، من ثروة إلى خردة إن صح التعبير، مع تهديد الكثيرين بخسارة وظائفهم.
ورقة ضغط قوية:
الناظر من داخل الصندوق وخارجه قد يدرك جيدا أن أوراق الضغط والتأثير الرئيسية في أزمات الطاقة العالمية هي بيد روسيا التي تتجه -يوما بعد يوم- نحو الهيمنة على سوق الطاقة، حتى أن أصواتا في أوكرانيا باتت تلمح صراحة إلى استيراد الكهرباء من روسيا وبيلاروسيا المجاورة بغض النظر عن حالة العداء والتوتر القائمة معها.
وفي مقال سابق له قال "يوري فيترينكو" الرئيس التنفيذي لشركة "نافتوغاز" (NAFTOGAZ) الأوكرانية للطاقة إن "الكثير من الأوكرانيين سيشعرون بالخيانة بعد تشغيل نورد ستريم 2، أوكرانيا ستخسر جزءا كبيرا من ناتجها المحلي، وهذا سيشكل ضربة قوية لنا".
حتى لو كانت أوكرانيا المتضرر الأكبر... أوروبا ليست أفضل حالًا:
بعد أن عرضت روسيا "إنقاذ أوروبا" عبر زيادة إمدادات الغاز إلى المنطقة وسط جنون الأسعار، قال خبراء إن أمراً واحدًا أصبح واضحًا ألا وهو أن الدول الأوروبية باتت الآن إلى حد كبير تحت رحمة روسيا، عندما يتعلق الأمر بالطاقة، تمامًا مثلما حذرت الولايات المتحدة، وفق ما نقلته شبكة CNBC.
قال المحلل الاقتصادي المخضرم "تيموثي آش" في مذكرة بحثية: "لقد تركت أوروبا نفسها الآن رهينة لروسيا في إمدادات الطاقة"، واصفاً الوضع بأنه "لا يصدق".
وأضاف: "من الواضح تمامًا أن روسيا ترى أمامها أوروبا (الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة) في مأزق طاقة، وأوروبا (والمملكة المتحدة) في موقف ضعف حيال ذلك"، واعتبر الأمر شكلاً من أشكال "ابتزاز الطاقة".
وقال إن أوروبا "ترتعد" لأنها تخشى أنه مع اقتراب فصل الشتاء ستعمد روسيا إلى إيقاف أنابيب الطاقة، حتى تصل إلى مبتغاها ويتم اعتماد خط نورد ستريم 2 (NS2).
القوي يأكل الضعيف على حساب ودم الشعب