على عكس بعض السلع التي تثير كثيرًا من الجدل كالنفط والغاز الطبيعي، لا يُعير أغلب الناس انتباهاً للأسمدة؛ لكن في ظل ارتفاع بعض مغذّيات التربة الصناعية لأعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية، فإن ذلك قد يعني محاصيل أضعف وفواتير بقالة أعلى العام المقبل، مما قد يشير إلى أزمة جديدة تتبع أزمة سلاسل التوريد.
موجة من الغلاء:
ضربت عاصفة متتابعة من الأحداث - بدءاً من الأحوال المناخية المتطرفة إلى إغلاق المصانع والعقوبات الحكومية الجديدة - سوق الأسمدة الكيماوية العام الحالي، ما وجه صفعة للمزارعين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء.
وقفزت أسعار اليوريا، وهو سماد شائع قائم على النيتروجين، أوائل الشهر الجاري إلى أعلى مستوى منذ 2012 في "نيو أورليانز"، مركز تجارة الأسمدة الرئيسي في الولايات المتحدة، كما أصبح سماد قائم على الفوسفات يعرف باسم "داب" هو الأغلى في تلك السوق منذ 2008، حسبما أظهرت بيانات "بلومبرغ".
في هذا الصدد قال المحلل والخبير "أليكسيس ماكسويل": "مع استمرار ارتفاع أسعار الأسمدة، سيقوم المزارعون إما بخفض الاستخدام، أو خفض الأسمدة بالكامل على أمل انخفاض الأسعار في المستقبل، أو تقليص المنتجات الزراعية الأخرى تحت حساب الإنفاق الأكبر المتوقع".
وأضافت أن البعض يتردد قبل الشراء لموسم الزراعة المقبل على أمل انخفاض التكاليف، وهذه مخاطرة لأن الأسعار قد تستمر في الارتفاع.
تبعات على أسعار الغذاء:
ينفق المزارعون الذين يزرعون الذرة وفول الصويا والحبوب الأخرى التي تُستخدم في إنتاج الماشية وتذهب لمصانع الأغذية المعبأة أكثر من المعتاد على البذور والعمالة والنقل والمعدات، وقد تسبب ذلك في تضخم حاد في أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي.
ويقترب مقياس الأمم المتحدة لأسعار الغذاء العالمية من أعلى مستوياته منذ عقد، وهي مشكلة يمكن أن تتفاقم نتيجة ارتفاع أسعار الأسمدة.
وقد عبرت المحللة "إيلينا ساكنوفا" عن رأيها في هذا الموضوع قائلةً: "تعتبر تكلفة الأسمدة من أكبر العوامل الدافعة لتضخم أسعار الغذاء العالمي حالياً، إذ إن أسعار جميع المغذيات من المجموعات الثلاث - البوتاس والفوسفات والنيتروجين - وصلت إلى مستويات لم نشهدها منذ حوالي عقد من الزمان".
نقص العمالة... مشكلة تدفع مشكلة أخرى:
تواجه الشركات اللوجستية التي تنقل الأسمدة أيضاً نقصاً في العمالة وارتفاعاً في الأسعار، ما يزيد التكاليف.
قال "بيل سترينغفيلو"، الذي يشارك في إدارة مشروع صغير يساعد في طرح منتجات جديدة في السوق، بما في ذلك مبيدات الآفات ومنتجات الأسمدة: "من المؤكد أنها (المشكلات اللوجستية) جعلت الأمور أكثر صعوبة بشكل كبير".
وأضاف أن الشحن يمثل حوالي 15% من تكلفة شراء المنتج لأعمالهم، واصفاً ذلك بأنه "كابوس كامل".
أيضاً تلعب الإجراءات الحكومية دوراً؛ إذ أنه في وقت سابق من العام الجاري، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على شركة "بيلاروسكالي"، وهي منتجة رئيسية للبوتاس وواحدة من أكبر الشركات المملوكة للدولة في بيلاروسيا، رداً على اعتقال صحفي على متن طائرة تابعة لشركة "رايان إير".
وفي الصين، أمرت مقاطعة يونان بتخفيضات الإنتاج عبر العديد من الصناعات، بما في ذلك الأسمدة، كجزء من تدابير للحد من استهلاك الطاقة والانبعاثات.
ما التأثيرات المتوقعة لأزمة الأسمدة؟
يشرح لنا الخبراء أن النباتات مثل الناس، تحتاج إلى مجموعة من العناصر الغذائية للبقاء على قيد الحياة، وتوفر أنواع متعددة من الأسمدة مدخلات مختلفة، لذا فيجب استخدام النيتروجين إلى حدٍ كبير كل عام، لذلك من غير المرجح أن يخفِّض المزارعون الكمية التي يشترونها ويستخدمونها في الحقول.
نتيجة لذلك، من المرجح أن يقلل المزارعون من الفوسفات والبوتاس، وبدلاً من ذلك يعتمدون على العناصر الغذائية التي يأملون أن تكون موجودة بالفعل في التربة.
لكن في حال أن التقنين على الأسمدة بلغ حدًا كبيرًا، سنشهد حينها أزمات جدية وخطيرة في سلع استراتيجية كالذرة والقمح؛ وستكون تلك بمثابة ضربة للإنتاج الغذائي العالمي وعامل يفاقم التضخم إلى مستويات تاريخية.