شاهدنا في الأسبوع الماضي أول زيارة لمسؤول كبير من إدارة الرئيس "جو بايدن" إلى دولة نامية (كولومبيا) بهدف استكشاف آفاق الاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
تلك الزيارة لم تكن بالزيارة العادية، بل هي جزء من توجه أمريكي جديدة أُطلق عليه "إعادة بناء عالم أفضل"، وهو نقطة البداية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية التي رصدت لها بكين تريليون دولار.
مبادرة البوابة العالمية... بديل لطريق الحرير الجديد:
يقول الكاتب الأمريكي "كيث جونسون" إن الزيارة الأميركية إلى كولومبيا جاءت بعد أسبوعين من إعلان الاتحاد الأوروبي رسميا عن خططه التنموية لمواجهة طموحات الصين التوسعية.
وعرضت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" مبادرة "البوابة العالمية" منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي تقدم وعودا باستثمارات أوروبية كبيرة في البنية التحتية بدول العالم النامي، وهو التوجه ذاته التي تعمل عليه الصين منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
ومن المنتظر أن ينطلق تنفيذ الخطة الأميركية -التي تحظى بتأييد مجموعة السبع ودول مثل أستراليا والهند واليابان- ومبادرة الاتحاد الأوروبي، أوائل عام 2022.
وحسب الكاتب، فإن هذه التحركات الحديثة التي ترتكز على تقديم المساعدات للدول النامية هي الرد الأوضح حتى الآن على السياسة الخارجية للرئيس الصيني "شي جين بينغ"، وتحديدا مبادرة الحزام والطريق.
وكان مشروع الحزام والطريق يهدف إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات في إنشاء الطرق والسكك الحديدية ومحطات الطاقة والموانئ والشبكات الرقمية عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ويرى الكاتب أن السؤال الأهم لا يتعلق بقدرة الغرب على تمويل هذه المبادرات بشكل يضاهي الخطط الصينية، بل مدى التنسيق بين الدول الغربية لتقديم بديل حقيقي لطريق الحرير الجديد.
تحركات صينية مريبة ومقلقة للغرب:
منذ عام 2013 حين أعلن الرئيس الصيني عن مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، وكانت مئات المليارات من الدولارات وعشرات الآلاف من العمال الصينيين وعشرات الشركات الصينية تتهافت على دول مثل باكستان وتايلند وميانمار وجيبوتي لبناء ما تحتاجه هذه الدول من محطات الطاقة وخطوط الأنابيب والموانئ وغيرها من المنشآت الحيوية.
حيث رأت الصين في حاجة العالم النامي لاستثمارات البنية التحتية فرصة مناسبة لتعزيز مكانتها العالمية، وتصدير فائض الطاقة الإنتاجية المحلية إلى الخارج عندما تباطأ نمو الاقتصادي الصيني.
وهكذا سعت بكين لتحويل قوتها المالية إلى ميزة جيوسياسية والعمل على استمالة دول العالم النامي، واقتصر الرد الغربي في البداية على التعبير عن استعداده للمشاركة بهذه المشاريع، أو التحذير من الطموحات التوسعية الصينية.
دول الغرب تستشعر الخطر وتتحرك:
يرى الكاتب في تقريره، أن الموقف الغربي بدأ يتغير مع مرور الوقت. ففي عام 2016، طرح الاتحاد الأوروبي برنامجا لدعم مشاريع البنية التحتية بهدف مواجهة الصين، لكن الخطة لم تتبلور إلا في يوليو/تموز الماضي، عندما أعلن الاتحاد الأوروبي عن مبادرة جديدة لتمويل المشاريع التنموية بمعايير أعلى وأكثر شفافية من مبادرة الحزام والطريق.
وحديثًا، في الشهر الماضي، تحركت الولايات المتحدة وأطلقت مبادرة جديدة مع دول مجموعة السبع لتعزيز مشاريع البنية التحتية التي يمكن أن توفر بديلا لمبادرة الحزام والطريق.
ومن المثير للدهشة -حسب الكاتب- أن الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" هو الذي ساهم في تمهيد الطريق لهذه المبادرة. فرغم شعار "أميركا أولا" الذي بنى عليه حملته الرئاسية، فقد حوّلت إدارة ترامب "مؤسسة الاستثمار الخاص وراء البحار" إلى "شركة تمويل التنمية الدولية الأميركية" وضاعف ميزانيتها لتصل إلى 60 مليار دولار.
كما أطلقت إدارة ترامب "شبكة النقطة الزرقاء" التي تهدف لوضع معايير عالية لمشاريع البنية التحتية التي من شأنها جذب المستثمرين من القطاع الخاص، ومن ثم جذب المزيد من الدول للانضمام إليها. وحدث الأمر ذاته مع مبادرة "الشبكة النظيفة" التي تهدف إلى الحد من الهيمنة الصينية في شبكة الجيل الخامس.
ومؤخرًا، تولت إدارة "بايدن" زمام المبادرة وأعلنت عن مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" خلال قمة مجموعة السبع. وتتلخص فكرتها حول زيادة تمويل مشاريع التنمية لمواجهة طموحات بكين بشكل غير مباشر.
وكانت المبادرة الأميركية تحت غطاء مفاهيم تستخدمها الولايات المتحدة بكثرة لتسيير غاياتها السياسية (مشاكل تغير المناخ والأمن الصحي والاتصال الرقمي والمساواة بين الجنسين). في حين تركز أوروبا على قضايا مثل الاتصالات الرقمي أكثر من مشاريع البنية التحتية التي تحتل الأولوية القصوى ضمن المبادرة الصينية.
مخاطر يجب تحملها:
على امتداد العقود الماضية، قادت المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، وبنوك التنمية الإقليمية، مبادرات تمويل مشاريع التنمية، لكن دورها تضاءل تدريجيا مع ظهور أذرع تمويل جديدة، لا سيما في آسيا.
ويقول"فرانس بول فان دير بوتين"، الخبير في شؤون الصين بالمعهد الهولندي للعلاقات الدولية، إنه في ظل المنافسة على كسب القلوب والعقول والفوز بمشاريع البنية التحتية، فإن إصرار الغرب على وضع معايير صارمة قد يشكل عائقا كبيرا.
ويضيف: "المعضلة بالنسبة لأوروبا، عند تعاملها مع الصين، هو أنك قد تضطر من أجل منافستها إلى التخلي عن معاييرك وقيمك. أعتقد أنه لا مفر من أن تتغير أوروبا قليلا، وتقترب أكثر من المقاربة الصينية".
ومن أجل جذب القطاع الخاص وإطلاق العنان للتمويلات الضخمة، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا -وفقا للكاتب- لعب دور الضامن وتحمل جزء من المخاطر مثلما فعلت الصين لتنفيذ عدد من مشاريعها الضخمة في أنحاء مختلفة من العالم.