في وقتٍ سابق قبل بضعة أعوام كان شراء السلع على أقساط هو السمة المسيطرة على مشهد تجارة التجزئة في الاقتصاد العالمي. لكن خلال الفترة الماضية، وبسبب ظهور البطاقات الائتمانية والتسوق عبر الإنترنت فإن هذا الأسلوب شهد اندثارًا جزئيًا. وذلك قبل أن تدخل شركات جديدة إلى الخط مجددًا لتطور تكنلوجيا مالية لافتة شبيهة بأسلوب الشراء بالتقسيط الذي عرفناه في الماضي.
يشير تقرير لوكالة بلومبرغ إلى أن موضة شراء السلع على أقساط عادت للظهور بقوة مع دخول شركات التكنولوجيا المالية على الخط من خلال لعب دور طرف ثالث يمكنه توفير السيولة للمشتري والدفع بأسعار تنافسية للجهة المنتجة للسلعة لتتحول تلك الشركات إلى وسيط مالي في مشهد عنوانه العريض "الكل مستفيد".
وعلى خلاف برامج التقسيط باستخدام كروت الائتمان والتي تتضمن على الأقل دفعة أولى كرسوم فإن برامج الشراء المصممة من قبل شركات التكنولوجيا المالية على غرار Affirm و Afterpay و Klarnaلا تتضمن دفع أي مبالغ مقدما ويتم تقديمها في هيئة قروض صغيرة على أقساط تبلغ 4 أقساط ما يضمن لتلك الشركات دورة أقل لرأس المال وتحقيق عائد مالي أفضل.
المشتري في نطاق الأمان والربح من البائع:
وفقًا للنهج الجديد الذي اتبعته شركات التكنولوجيا المالية فإن حصة الأسد من أرباحها ستكون قادمة من المتجر أو بائع التجزئة، وفي المقابل فإن العوائد على الأقساط التي يتحملها المشتري تكون ضعيفة ما يضمن جذب شريحة واسعة من العملاء.
وبدا أن تلك السياسة الجديدة تمثل تهديدًا قويًا للمنتجات المالية التي تقدمها البنوك وفي مقدمتها كروت الائتمان والتي تحصل على عوائد أعلى بكثير يتحملها في نهاية المطاف المستهلك النهائي للسلعة والذي بطبيعة الأمر سيذهب إلى المنتج الجديد الذي تقدمه شركات التكنولوجيا المالية.
توقعات متفائلة:
ويتوقع تقرير صادر عن CB Insights أن تنمو مبيعات السلع باستخدام الأقساط ما بين 10-15 مرة بحلول العام 2025 لتتجاوز مستوى التريليون دولار ما يمثل دفعة قوية لشركات التكنولوجيا المالية التي تلعب دور الوسيط الجديد بين البائع والمشتري بعد عقود طويلة كانت فيها البنوك هي اللاعب الأوحد في دور الوساطة.
وإذا نظرنا إلى البيانات المتوفرة سنجد أنه في الولايات المتحدة وحدها فإن ما بين 20-25 مليار دولار جرى إنفاقها العام المنصرم على شراء السلع باستخدام نظام الأقساط الجديد الذي تقدمه شركات التكنولوجيا المالية ليسجل أعلى مستوياته على الإطلاق فيما بدا أنه التوجه الجديد للشراء داخل أكبر اقتصاد في العالم بحسب بيانات Bloomberg Intelligence والتي أشارت أيضا إلى أن معدل اختراق البيع بالأقساط يمثل نحو 3% من إجمالي التجارة الإلكترونية في البلاد.
المنافسة على أشدها:
لا تتوقف المنافسة التي ستواجهها المنتجات البطاقات الائتمانية على شركات التكنولوجيا المالية أو ما تعرف اصطلاحا باسم "الفين تك"، فشركات عملاقة أخرى على غرار أبل بدأت الدخول على الخط.
ومنذ العام الماضي أعلنت أبل عن خطط لبيع منتجاتها باستخدام التقسيط عبر خدمة Apple Pay مع جعل الأقساط أيضا على 4 دفعات مع فائدة مبسطة أيضا ما يمثل صفعة قوية لنشاط البيع بالتقسيط الذي تقدمه كروت الائتمان التابعة لكبريات المصارف العالمية.
وتروج شركات التكنولوجيا المالية لنفسها على أنه وسيط أمن أكثر من البنوك لتوفير السيولة بالإضافة إلى تراجع سعر المنتج النهائي مقارنة مع ما يقوم المستهلك بدفعه باستخدام كروت الائتمان ما يطرح تساؤلات حول قدر المصارف على المنافسة أو اختفائها التام من مشهد البيع بالتقسيط والذي مثل لسنوات طويلة أحد أهم مصادر بند الدخل من الفائدة في القوائم المالية للبنوك.