فقر مدقع أو ثراء فاحش... سوريا تخسر الطبقة المتوسطة فأين تذهب مقدرات البلد؟

03/07/2021

بات من الطبيعي في سوريا رؤية الكثير من المتناقضات التي قد لا تراها في مكانٍ آخر. فضمن مجتمعٍ تعيش أغلب شرائحه تحت خط الفقر، ستجد بعض المطاعم والفنادق والشاليهات الراقية باهظة الثمن ممتلئة على مدار العام، ولمن لا يدرك الواقع السوري جيدًا ستخدعه هذه المظاهر التي تغطي على معاناة المجتمع السوري المرير.

على الجانب الآخر ستجد طوابير طويلة من السوريين يصطفون لاستلام الإعانات الغذائية، أو لشراء الخبز، أو للحصول على مادة مدعومة بسعر مخفض. وللتعبير عن مدى الفقر الذي وصلت له هذه الشريحة من المجتمع سيكفي القول إن أحدهم يقف ساعات منتظرًا ليحصل على بضع أرغفة من الخبز، أو على سلة إعانة تحتوي مواد غذائية من الدرجة الثالثة أو الرابعة.

هذه المعطيات المتناقضة، وإن استخدمتها بعض وسائل الإعلام الحكومية لصالحها ولبيان أن "البلد بخير" حينًا، وأن "الناس عايشة" أحيانًا، إلا أنها وفقًا لمراقبين ما هي إلا دلالة على تعرض الطبقة المتوسطة من الشعب السوري لخطر الانقراض، وانقسام المجتمع إلى فئتين متباعدتين بينهما فجوة هائلة.

لماذا تتعرض الطبقة المتوسطة من المجتمع السوري لخطر الانقراض؟

هذا الخلل ناتج عن التفاوت الكبير الحاصل في توزيع الدخل، وهو بحسب ما نقل موقع "أثر بريس" عن الدكتور "رسلان خضور": "من أهم الأسباب التي تجعل المواطنين أقل ثقة ببعضهم بعضاً، وأقل ثقة بالحكومة، وبالنظام السياسي والاقتصادي القائم."

وللدلالة على عمق الفجوة في مسألة توزيع الدخل، تكفي الإشارة إلى أن متوسط الأجر الشهري للعامل البالغ حالياً 66 ألف ليرة، لا يشكل سوى أقل من 10% من إجمالي ما يجب أن تنفقه الأسرة شهرياً على شراء احتياجاتها من السلع والمواد المنتجة محلياً أو المستوردة، والمقدرة في حدها الأدنى بحسب باحثين بأكثر من 600 ألف ليرة.

وبالنظر إلى كون العاملين بأجر يشكلون النسبة الأكبر من إجمالي عدد المشتغلين (حوالي 64%)، فهذا يعني أن نصيب العاملين بأجر من إجمالي الدخل القومي تتضاءل مع مرور الوقت تحت ضغط عاملين: الأول ارتفاع معدل التضخم المستمر لأسباب باتت معروفة، والثاني يتمثل في ثبات متوسط الأجور والرواتب مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج والربح والبيع للسلع والخدمات المنتجة.

الدولة تدفع 4.3% فقط من الدخل القومي للعاملين في قطاعاتها:

يشكل العاملين في الدولة نسبة قدرها 42.1% من إجمالي العمالة السورية، والكتلة الشهرية لرواتبهم تصل إلى حوالي 502 مليار ليرة في موازنة العام الماضي، وهو رقم يشكل ما نسبته 4.3% فقط من إجمالي قيمة الدخل القومي بأسعار السوق لعام 2019.

ولابد من الإشارة هنا إلى وجود تفاوت واضح أيضاً في أجور فئة العاملين بأجر أنفسهم، سواء بين أجور العاملين في الدولة والقطاع العام وبين أجور نظرائهم في القطاع الخاص، ومن ثم داخل القطاع الخاص نفسه، فمثلاً سقف راتب الموظف الحكومي الذي بلغ سن التقاعد قد لا يتجاوز 70 ألف ليرة، فيما راتب مدير مالي في مؤسسة خاصة قد يتجاوز 600 ألف ليرة شهرياً وهكذا.

الشريحة المستفيدة من الدخل القومي:

يرى مراقبون، أنه طوال الفترة الماضية، كانت الشريحة المستفيدة من الدخل القومي في سوريا تعزز من قبضها على الثروات والموارد الوطنية، إذ أن المشكلة لم تعد فقط في تفاوت توزيع الدخل وإنما في التمركز الشديد للثروات والموارد بيد طبقة مجتمعية قليلة من جهة، وفي الوجوه "الثرية" الجديدة التي قامت بتحييد بعض المستفيدين السابقين لصالحها من جهة ثانية.

وهذه الفئة من المجتمع لا تخفي نفسها، بل على العكس من ذلك هم يحرصون على استعراض دائم لمظاهر الثروة والنفوذ وبشكل غير معتاد، كما ويتفننون في ممارسة طقوس خيالية من التهافت الاستهلاكي.

جذور المشكلة تعود إلى ما قبل الأزمة والحرب:

يعتقد الخبراء أن جوهر المشكلة في سوريا يكمن في السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاسدة للحكومة، التي غضت الطرف لسنوات طويلة عن الفساد المتجذر في البلد: (الاحتكار، الاستغلال، التهرب الضريبي، التهريب، الأنشطة غير القانونية، الفساد…)، ثم حلت الحرب لتضيف لها قائمة أخرى من الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية، وتفرز طبقة جديدة من الأثرياء والمتاجرين بثروات البلاد باتت مع مرور الوقت وتوسيع أنشطتها تستحوذ على نصيب غير مسبوق من الدخل القومي.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: