أربعةُ أساليبٍ تتبعها الدول لإنقاذ عملتها من الانهيار

28/02/2021
إنقاذ العملة من الانهيار

تعتبر العملات من أهم المؤشرات على أداء اقتصاد دولة ما، وبالرغم من أنها ليست مؤشراً دقيقاً على الدوام إلى أنها الأسرع تعبيراً والأشهر. فإذا كانت قيمة العملة مستقرة وقدرتها الشرائية جيدة، فهذا يدل على سلامة اقتصاد البلد، والعكس صحيح. لكن العملات هي مؤشرات حساسة للغاية تتغير كثيراً وتتأثر بعدد كبير من العوامل، فهي دائماً معرضة للتدهور أو الانهيار عند فقدان السيطرة من قبل أولي الأمر في الدولة.

ويوجد عدة أساليب تستخدمها الدول للتعامل مع تدهور قيمة عملاتها، بعضها حلول إسعافية سريعة وبعضها حلول متكاملة...

الأسلوب الأول: معادلة الميزان التجاري

من بين العوامل التقليدية القابلة للقياس التي تتحكم في سعر العملة، نجد حالة الميزان التجاري للبلد. فكلما كانت الصادرات أقوى من الواردات كلما شهدت العملة المحلية طلبا أكبر، والعكس صحيح كلما اختل الميزان التجاري لصالح الشركاء التجاريين كلما تراجع الطلب على العملة ودفع سعرها إلى الهبوط أمام العملات الأجنبية الأخرى.

فحين ترى الدولة أن سعر عملتها يتجه نحو التدهور، تتوجه فوراً إلى تقليل الواردات التي تستنزف مخزون العملة الصعبة قدر الإمكان، والاستعاضة عن البضائع المستوردة ببدائل محلية. وفي الوقت ذاته، تحاول الحكومة أن تسوّق لبضائعها في الأسواق الأجنبية أكثر لزيادة الصادرات. لكن هذا الأسلوب يحتاج إلى اقتصاد قوي قادر على الإنتاج ومكتفي ذاتياً، وإلا فإن الدولة ستجد نفسها في حالة شلل وستتسبب زيادة الصادرات بزيادة التضخم.

الأسلوب الثاني: محاولة خلق توازن في كمية العرض والطلب

إن العملات، وبالرغم من أنها لا تعتبر سلعاً، إلا أن شأنها شأن السلع في التأثر بالعرض والطلب. فحين يرى المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال أن عملة الدولة التي يقيمون استثماراتهم فيها متجهة نحو التدهور، نجدهم يهبّون إلى التخلص من العملة وتجميد استثماراتهم وتحويل سيولتهم إلى النقد الأجنبي. فالمستثمر بطبيعة الحال، يرى الأمور بمنظور واحد هو الجدوى التي يحددها الربح أو الخسارة.

هنا، تقوم الدولة بحل إسعافي سريع يتمثل بضخ العملة الصعبة إلى الأسواق لخلق حالة توازن بين العرض والطلب ريثما يتم حل المشكلة الأساسية التي تسببت بانخفاض عملة البلد. لكن ضخ العملة الصعبة في الأسواق يستنزف مخزون القطع الأجنبي في البنوك المركزية، وهو بالتالي مجرد حل إسعافي لتفادي الانهيار ولا يصلح على المدى الطويل.

الأسلوب الثالث: رفع أسعار الفائدة

انخفاض أسعار الفائدة التي تحصل عليها البنوك في بلد ما عند إقراضها الأموال للمنتجين يؤدي إلى زيادة الطلب على القروض، ما يزيد من معدل الإنتاج، وينعكس ذلك سلبيًا على سعر العملة إذ ينخفض الطلب على العملة وبالتالي تنخفض قيمتها. أما ارتفاع أسعار الفائدة فيقلل من القروض، وبالتالي تنخفض معدلات الإنتاج، الأمر الذي يؤثر بشكل إيجابي على العملة فترتفع قيمتها.

لكن رفع سعر الفائدة هو سيف ذو حدين، وكثيراً ما يتسبب بعواقب خطيرة للاقتصاد على المدى المتوسط والبعيد. ويؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في النهاية إلى انخفاض الاستهلاك حيث يمتنع الناس من الحصول على قروض إسكان، أو سيارات، أو غير ذلك، بسبب ازدياد تكاليف الاقتراض من البنوك.

الأسلوب الرابع: دفع البلد نحو الاستقرار السياسي والحصول على شريك اقتصادي قوي

يعد هذا الأسلوب من أقل الأساليب تفضيلاً بين الدول، إذ أنه يعني التنازلات السياسية، والتبعية، والرضوخ للأقوى. لكن في المقابل، إن استقرار البلد سياسياً وارتباطها بشريك اقتصادي قوي، يزيد من شهية المستثمرين نحوها، ويزيد من موثوقية مستقبلها الاقتصادي، ليجعلها أرض خصبة للمشاريع الاستثمارية المتعددة. ويصب كل ذلك في النهاية في صالح العملة، بل إن قيمة العملة تتأثر آنياً بمجرد توجه الدولة نحو التساهل سياسياً عن طريق تقديم بعض التنازلات والتركيز على التنمية الاقتصادي.

ما هو أفضل أسلوب يمكن اتباعه لإنقاذ العملة من الانهيار؟

لا يختلف عاقلين، أن الأسلوب الأول الذي يشجع على الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الإنتاج هو الأفضل بكل المقاييس. لكنه الأصعب والأكثر تعقيداً، حيث يتطلب خطة اقتصادية قوية، وحنكة سياسية مميزة للتخلص من التوترات بأقل قدر ممكن من التنازلات.

أما الأسلوبين الثاني والثالث، فهما أشبه بالحلول الإسعافية متوسطة المدى. والأسلوب الرابع متعلق بعوامل عديدة خارج الساحة الاقتصادية، فجدواه تحدد على هذا الأساس.

شارك رأيك بتعليق

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
فاطمة مطر
4 سنوات

ابحاث اقتصادية حلوة ?

مقالات متعلقة: