مع تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، حققت العقارات ارتفاعاً كبيراً في أسعارها بشكل يوحي بحدوث تحسن اقتصادي مفتقد لسنوات، غير أن الأمر بعيد كل البعد عن ذلك، فمع قليل من قراءة السوق يتبين عمق الأزمة الاقتصادية التي أرخت سدولها على أسعار العقارات، كغيرها من المناحي الاقتصادية السورية، لتكون إحدى أعمق مؤشرات الانهيار الاقتصادي.
أسعار خيالية للعقارات رغم الأوضاع المأساوية!
فعلى الرغم من أن حركة الشراء شبه معدومة، والموظف يحتاج للعمل 200 سنة لتأمين سعر منزل متواضع، شهدت أسعار العقارات ارتفاعاً كبيراً خلال العام المنصرم وصلت نسبته حتى 100%، فسعر المسكن في دمشق بلغ نحو 100-150 مليون ليرة سورية، وفي المناطق العشوائية 30 مليون على الأقل، بينما وصل سعر بعض البيوت في البرامكة/دمشق إلى مليار ليرة، وبلغت الذروة في حي الميدان على مستوى سوريا بسعر 2.5 مليار ليرة، وهذه الأسعار تفوق القدرة الشرائية لدى أكثر من 95% من الشعب السوري، ويطبق على أسعار بيع وشراء العقارات، أسعار أجار العقارات.
أسباب غلاء أسعار العقارات
1- غلاء مواد البناء الأساسية (الحديد والإسمنت)
ويعتبر هذا الغلاء سبباً رئيساً في أزمة العقارات، لما نتج عنه من زيادة تكلفة البناء وعزوف الناس عنه، فبحسب صحيفة "تشرين" المحلية السورية، فإنه خلال منتصف عام 2020 تضاعفت الأسعار أكثر من 200%، فوصل سعر كيلو الحديد إلى 3 آلاف ليرة بينما كان لا يتجاوز 800 ليرة، وارتفع سعر كيس الإسمنت إلى 7 آلاف ليرة بينما كان لا يتجاوز 2400 ليرة، وارتفعت تكلفة الإحضاران المتضمنة (الرمل والبحص) بحدود 50%، فتجاوز سعر المتر الواحد 10 آلاف ليرة فيما كان يبلغ 5 آلاف ليرة.
ونقلت الصحيفة عن صناعي قوله: أن "سعر الحديد والإسمنت في سوريا أغلى بـ60% مما هو عليه في جميع دول العالم… يبلغ سعر طن الحديد في مصر 430 ألف، بينما في سورية تجاوز 630 ألف، ولا يوجد مبرر لرفع الأسعار إلى تلك الدرجة.. أغلب المعامل تحصل على المادة الأولية (الخردة) مجاناً من مخلفات آثار الحرب"، وأضاف: "لو كان استيراد المواد الأولية في البناء مسموحاً لانخفضت الأسعار تلقائياً، لكن جميع القرارات تأتي بعكس مصلحة المواطن".
2- انهيار الليرة السورية ورسوخ التضخم واللجوء إلى الدولار
فبعد فقدان الليرة السورية معظم قيمتها، وارتفاع مستويات التضخم وتفشي أسبابه، اضطر الناس إلى اللجوء للتسعير بالدولار الأمريكي، وفقاً لما كانت عليه أسعار العقارات قبل انهيار العملة.
3- التمايز الطبقي في المجتمع السوري
إن ضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري بسبب ضعف الرواتب، مع وجود تمايز طبقي بين 90% هم تحت خط الفقر وأقل من 10% ممن تضاعفت ثرواتهم، خلق قدرة شرائية متوفرة، تتحمل دفع أثمان باهظة لشراء عقارات، على حساب قدرة المواطنين البسطاء الذين يُتحكم بهم من خلال تأجيرهم عقارات الأغنياء.
4- شراء الإيرانيون للعقارات في سوريا
ومع فقدان القدرة الشرائية لدى معظم السوريين، أقبل مستثمرون إيرانيون بدعم حكومي، على شراء الكثير من العقارات لا سيما في العاصمة دمشق ومدينة حلب، وبالتالي لاقت الأسعار الجديدة -رغم ارتفاعها الباهظ- قدرة شرائية جديدة حفزت أصحاب العقارات لرفع الأسعار أكثر.
5- قلة العقارات بسبب الدمار مع ارتفاع الحاجة إليها
وجود انخفاض في العرض واضطرار الناس إلى الطلب، فاقم أزمة العقارات في سوريا، لا سيما في المحافظات الأكثر دماراً، حيث بقي الفارق كبيراً جداً بين ما يتم إعادة تدويره وبيعه، أو ترميمه وبيعه، وبين ما تم تدميره خلال السنوات الأخيرة والذي يتجاوز عددها 2.5 مليون منزل!
6- عدم الاهتمام بالمساكن الجماعية
فلجوء قطاعات البناء إلى تجهيز الأبنية الرافهة وعدم الالتفات إلى المساكن الجماعية أو الشبابية، أدى إلى حصر تركيز المستثمرين على الاستثمارات المرتفعة التكلفة، العالية الربح، والتي قد لا تخدّم سوى فئة محدودة، على حساب المساكن التي قد تفيد أعداداً مضاعفة ولكن بنسب ربحية أدنى.
أسعار العقارات لاتمت للواقع بصلة تكدس الأموال وقلة المشاريع الأستثمارية سبب رئيسي لغلاء العقارات