خسرت قرابة 300٪؜ من قيمتها… هكذا كابدت الليرة في عام 2020

31/12/2020

شاهدنا جميعاً هذا العام كيف كابد الاقتصاد السوري والليرة السورية الأمرّين، لدرجةٍ يمكن القول فيها إن ما حدث في عام 2020 هو أسوء ما شهدته الليرة السورية طوال تاريخها على الإطلاق.

فكانت سفن الاقتصاد السورية تعوم في بحر المجهول وتزعزعها عواصف العقوبات، لينقضي هذا العام بدون رسوها على بر الأمان أو ظهور أفقه على الأقل.

أولاً: المؤثرات التي تسببت بتغير حركة الليرة

في الثلث الأول من العام (حتى نهاية نيسان):

بدأ الاقتصاد السوري يعاني بالتدريج من تداعيات الحرب، ويمكن القول إن جرح الاقتصاد بدأ يؤلم بعدما برد قليلاً، حيث سبب إقرار موازنة مضاعفة لعام 2020 حالة تضخم سريع ولم يفد الأمر في دعم الانتعاش الاقتصادي بقدر ما أنه سبب انفجار التضخم ونزيف بطيء في قيمة الليرة.

في الثلث الثاني من العام (منذ بداية أيار حتى نهاية آب):

هي الفترة الحرجة التي كانت أشبه بكابوس دخلت فيه الليرة السورية، حيث تحول النزيف البطيء الذي كان مثيراً للقلق إلى إصابة خطيرة تهدد بالانهيار. فدخلت عقوبات قانون قيصر من جهة ومشكلة المصارف اللبنانية من جهة أخرى لتضع الليرة السورية في وضع يرثى له بكل معنى الكلمة.

فمع إعلان لبنان عجزه عن سداد ديونه المستحقة، ومن ثم الإعلان عن حزمة من القيود على السحوبات البنكية، تسبب ذلك بضرر مباشر وسريع لليرة السورية، على اعتبار أن جزءاً كبيراً من أموال رجال الأعمال السوريين كانت مودعة في البنوك اللبنانية، ومن خلالها كان يتم تمويل عمليات الاستيراد للمواد الأساسية، بالإضافة إلى دعم الليرة السورية في الأسواق حين يتطلب الأمر. أما حزمة عقوبات قيصر فهي غنية عن التعريف، حيث تسببت بحصار الاقتصاد السوري وعزله عن العالم وبالتالي شلل في ضخ العملة الصعبة إلى سوريا مما أدى إلى اجتياز سعر صرف الدولار في أسوء أحواله 3000 ليرة.

في الثلث الأخير من 2020 (منذ بداية أيلول حتى نهاية كانون الأول):

 التقلبات الضخمة التي شهدتها الليرة في المرحلة السابقة جعلت من الممكن وصف هذه المرحلة بالاستقرار نسبياً، بالرغم من أنها في المقاييس الطبيعية هي الأخرى ليست مرحلة مستقرة على الإطلاق، لكن تذبذبات الليرة كانت هنا أقل حدةً حيث غلب على هذه الفترة التحرك التدريجي، وأعطت بعضاً من الأمل بعودة الليرة للتعافي في بدايتها لكنها قضت على هذا الأمل تماماً في النهاية حين عاد سعر صرف الدولار إلى حدود ال 3000 ليرة.

وُصفت سياسات المركزي السوري هنا بالتخبط والغموض وبدى الأمر وكأنه استعمل كل الأوراق التي في حوزته مسبقاً، مما اضطره إلى اللجوء لأساليب أخرى يصفها بعضهم ب "أسلوب الصدمة" والآخر ب "المضاربات الرسمية".

من الأحداث المهمة التي رافقت هذه المرحلة هي مزيد من العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى رفع المركزي السوري سعر صرف الدولار الرسمي في نشرات بدل خدمة العلم إلى 2525 ليرة.

ثانياً: آلية تفاعل الليرة مع المؤثرات المذكورة أعلاه:

الثلث الأول من العام:

 بدأت الليرة تداولاتها بسعر 912 ليرة للدولار الواحد، ثم ارتفعت سريعاً إلى 1230 في منتصف الشهر الأول، وعادت للتحسن بشكل بسيط لكنها حافظت على مستويات أعلى من 1000 ليرة للدولار الواحد.

أما في آذار ونيسان فقد هدأت التداولات قليلاً لتسجل تغيرات يمكن وصفها بخسائر تدريجية، وكانت ذروة خسائر الليرة في نهاية آذار حين وصلت إلى 1360 ليرة للدولار الواحد، وتابعت على مستويات قريبة من 1300 طوال نيسان.

الثلث الثاني من العام:

بدأت الليرة في أيار بالتدهور بشكل سريع ومفاجئ، لينتهي شهر أيار وسعر صرف الدولار الواحد هو 1800 ليرة، لكن المصيبة الحقيقية كانت تنتظر الليرة في حزيران.

دخل شهر حزيران وبدأت معه الكارثة حيث وصلت الليرة إلى أدنى قيمة طوال تاريخها في 8 حزيران وهي 3175 ليرة للدولار الواحد، ومن ثم استمرت تداولاتها بالتقلب بشكل غير مسبوق، فأصبحنا نتحدث عن تغيرات تصل إلى 200 و 300 ليرة في اليوم الواحد أو خلال بضع ساعات حتى، على أي حال أنهت الليرة مسيرتها الصعبة في شهر حزيران على سعر 2500 ليرة للدولار الواحد.

في شهر تموز عادت الليرة للتحسن سريعاً ليبدو الأمر كما لو أنه بالفعل كابوس سيء وقد استيقظت منه، حيث وصل سعر صرف الدولار في ذروة تحسن الليرة إلى 1810 ليرة عند 25 تموز.

أما في آب فقد عادت الليرة لتقلباتها المعتادة حيث انخفضت وارتفعت لعدد كبير من المرات لكنها كانت طوال شهر آب تقريباً تحافظ على سعر صرف أعلى من 2100 مقابل الدولار.

الثلث الأخير من العام:

بدأت الليرة في أيلول بالارتفاع تدريجياً نحو سعر صرف أعلى من 2200، رغم استقرار التداولات في بداية الشهر، إلا أنها تحركت بشكل لافت في نهايته وحقق سعر صرف الدولار ذروته في 25 أيلول عند 2480، وعاد للانخفاض مجدداً نحو مستويات 2300.

أما في تشرين الأول فبات من الممكن الجزم بكون حركة الليرة تتجه بشكل تدريجي نحو مزيد من الخسائر، حيث لم تكن خسائر مفاجئة وسريعة هذه المرة لكنها كانت أكثر تأثيراً على المدى الطويل، وبلغ سعر صرف الدولار ذروته عند 2510 في نهاية الشهر.

أصبحت وتيرة التدهور أسرع في تشرين الثاني وعادت المخاوف من اجتياز الليرة 3000 للدولار الواحد، خصوصاً حين وصل سعر صرف الدولار في 22 أيلول إلى 2940 ليرة، ورغم تحسنها في آخر أسبوع من الشهر، لكن لم يكن ذلك كافياً للخروج من دوامة التدهور التي ظهرت أمام الليرة مجدداً.

كانون الأول كان شهراً مميزاً، حيث شهدت الليرة فيه العديد من التقلبات لكن على نطاق ضيق فلم تكن تقلبات هائلة، وبالرغم من ذلك فقد كانت حركة الليرة في هذا الشهر أشبه بالأرجوحة التي لم يُحكم تركيبها فكانت معرضة للخروج من مسارها والتحليق عالياً في أي وقت، كانت ذروة خسائر الليرة في هذا الشهر عند 2970، مما جعل الوصول إلى سعر صرف يبلغ 3000 ليرة للدولار ليس خيالاً أو تخوفاً بل أمر ممكن للغاية في أي وقت.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: