فاتورة إعادة بناء اقتصاد سوريا… الشعار يصرح برقم فاق التوقعات

29/05/2025

في تصريح مفاجئ تجاوز كل التقديرات الدولية السابقة، أعلن وزير الاقتصاد والصناعة السوري "محمد نضال الشعار" أن بلاده بحاجة إلى ما لا يقل عن تريليون دولار لإعادة بناء اقتصادها المدمر، متجاوزًا بذلك تقدير البنك الدولي الذي وضع الرقم عند حدود 400 مليار دولار فقط.

تصريحات "الشعار" جاءت خلال مشاركته في القمة العربية للإعلام 2025 التي استضافتها مدينة دبي، حيث أشار إلى أن الكلفة الحقيقية لإعادة الإعمار تشمل إعادة تأسيس بنية اقتصادية جديدة، لا مجرد ترميم البنى التحتية المتضررة. وأضاف: "نحتاج إلى تريليون دولار على الأقل لإعادة إعمار وبناء سوريا جديدة، فهذا الرقم يعكس حجم الضرر وعمق التحولات التي نحتاجها اقتصاديًا وسياسيًا."

مرحلة ما بعد العقوبات: نافذة استثمارية جديدة

أبرز "الشعار" أن انحسار العقوبات الغربية وفّر فرصة سانحة أمام دمشق لجذب الاستثمارات، خاصة بعد توقيع عدد من مذكرات التفاهم مع شركاء إقليميين. وأضاف أن الحكومة تعمل حاليًا على تحديث البيئة القانونية والتشريعية لتكون أكثر ملاءمة لاحتياجات المستثمرين، معتبراً ذلك أولوية وطنية في المرحلة الراهنة.

كما أشار إلى أن بلاده بصدد تعديل حزمة من القوانين الاقتصادية، في خطوة تهدف إلى تحويل الإطار القانوني من عائق بيروقراطي إلى محفز تنموي.

عملة جديدة؟ سوريا تدرس رقمنة اقتصادها

في خطوة قد تكون محورية لمستقبل الاقتصاد السوري، كشف الوزير عن دراسة لإعادة هيكلة النظام المالي تشمل إمكانية إصدار عملة جديدة أو التحول إلى العملات الرقمية. واعتبر أن هذا التوجه يأتي ضمن خطة شاملة لتحديث المعاملات المالية وتحرير الاقتصاد من أنماطه التقليدية المتآكلة، مشيرًا إلى أن "الإتاوات التي كانت مفروضة في فترات سابقة اختفت تمامًا".

الخصخصة: مصطلح ملتبس ورؤية حكومية مختلفة

وحول الجدل المتكرر حول "الخصخصة"، أوضح الوزير أن الحكومة لا تسعى لبيع الأصول العامة، بل تديرها وفق نموذج يراعي المصلحة الوطنية. وأكد أن التخلي عن بعض الأصول قد يكون ضروريًا في حال تحوّلت إلى عبء مالي وإداري، سواء على الدولة أو على المواطنين.

وأشار إلى أن هناك نماذج شراكة حديثة مثل نظام B.O.T ونظام P.P.P ستُستخدم لتفعيل مشاركة القطاع الخاص في مشاريع تنموية، دون المساس بسيادة الدولة على ممتلكاتها.

شراكة استراتيجية مع الإمارات

أشاد "الشعار" بما وصفه بـ"الدور الريادي لدولة الإمارات" في دعم جهود إعادة الإعمار، معتبرًا أنها الدولة "الأقرب لقلب سوريا" من حيث الدعم والاستثمار. وقال إن تعزيز التعاون الاقتصادي مع الإمارات يمثل توجهًا استراتيجيًا لدمشق، نظرًا لما تحمله هذه الشراكة من فرص كبرى للنمو، مؤكدًا أن خريطة استثمارية شاملة ستُعرض قريبًا على المستثمرين وتشمل قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة.

موانئ دبي تدخل طرطوس بـ800 مليون دولار

في سياق متصل، أعلنت "الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية" في سوريا عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي العالمية بقيمة 800 مليون دولار، لتطوير ميناء طرطوس وإنشاء مناطق لوجستية وصناعية. الاتفاق يهدف إلى تعزيز قدرة سوريا التجارية وتحويل الميناء إلى نقطة محورية في التجارة الإقليمية.

كما اتفقت الشركة مع الجانب السوري على تأسيس موانئ جافة ومحطات للبضائع، ضمن خطة لتوسيع النشاط الاقتصادي وتشجيع حركة الاستيراد والتصدير.

قراءة تحليلية: الأرقام تصطدم بالواقع

ورغم التوجهات الإيجابية والتصريحات الرسمية، فإن الواقع الاقتصادي السوري لا يزال يواجه تحديات بنيوية عميقة. فبحسب تقرير صادر عن مركز دراسات الشرق الأوسط الاقتصادية (MEEMEC) لعام 2025، فإن الاقتصاد السوري يحتاج إلى ما لا يقل عن 20 عامًا للتعافي الكامل، شريطة توفر استقرار سياسي، وتدفق فعلي للاستثمارات لا يقتصر على العقود الموقعة.

كما أشار التقرير إلى أن غياب الثقة الدولية، وضعف القطاع المصرفي، وتفكك البنية الإدارية، تمثل عوائق هيكلية لا يمكن تجاوزها بالتصريحات وحدها، بل تتطلب إصلاحًا سياسيًا وإداريًا عميقًا يُقنع المستثمرين بجدوى ضخ الأموال في السوق السورية.

خلاصة:
ما بين الرقم "الصادم" الذي أعلنه "الشعار"، والواقع الاستثماري المحكوم باعتبارات إقليمية ودولية، تقف سوريا على مفترق طرق اقتصادي مصيري. التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في تأمين التمويل، بل في إعادة بناء ثقة الداخل والخارج على حد سواء.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: